الرابطة تدق ناقوس الخطر والنيابة تلتزم الصمت: هل يمثل محمد تحفة نموذجًا لفوضى المنصات الرقمية؟

0
191

في الوقت الذي تخوض فيه المملكة المغربية معارك متقدمة ضد خطاب الكراهية، والتشهير، والمساس بأمن الدولة الرقمي، تبرز حالة المدعو محمد تحفة كمثال صارخ على التعقيد المتزايد الذي تواجهه مؤسسات الدولة في ضبط المجال الافتراضي، وخاصة حين تصبح منصات التواصل الاجتماعي منابر للاتهامات الخطيرة، التي تمس أركان الثقة في المؤسسات، وتثير القلق بشأن مستقبل الانضباط القانوني في الفضاء العمومي.

الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، وهي هيئة ذات حضور مستمر في المشهد الحقوقي، وجهت رسالة مفتوحة إلى كل من رئيس النيابة العامة والمدير العام للأمن الوطني، مطالبة بفتح تحقيق عاجل حول أنشطة المعني بالأمر، والذي لا يزال حراً في التنقل داخل التراب الوطني، رغم ما وصفته الرابطة بأنه “عشرات الشكايات” ضده، تتعلق بجرائم تمس بالنظام العام، وتزعزع الثقة في مؤسسات الدولة.

L’Association tire la sonnette d’alarme, le Parquet garde le silence : Mohamed Tahfa, un symbole du chaos numérique ?

لكن، ما الذي يجعل هذه الحالة مثيرة للانتباه؟ ولماذا لم تتحرك الآليات القضائية والأمنية بشكل حاسم رغم كل هذه المؤشرات؟ هل يتعلق الأمر بثغرات قانونية؟ أم بانتظارية في تقييم التهديد الحقيقي الذي تمثله هذه الممارسات الرقمية؟

من خلال تحليل نص الشكاية، يتضح أن الرابطة تُحمّل المسؤولية بشكل صريح لكل من السلطة القضائية والأمنية، متسائلة عن سر “عدم تحريك المتابعة القضائية في حق المعني بالأمر”، رغم توفر ما تصفه بـ”أفعال ظاهرة تمس بالأمن القانوني والكرامة الإنسانية”. الأفعال المذكورة تتنوع بين السب والقذف والتشهير، إلى التحريض على الكراهية، بل وتمتد إلى اتهامات خطيرة من قبيل وجود مقابر جماعية ومقتل مسؤول محلي في ظروف غامضة، دون أي دليل ملموس.

هذه المعطيات تطرح سؤالًا جوهريًا: ما هو الحد الفاصل اليوم بين حرية التعبير وخرق القانون؟ وهل يمكن التسامح مع خطاب ينشر الفوضى والبلبلة، بدعوى ممارسة الحق في التعبير؟ وهل تأخر القضاء المغربي في التحرك يعطي انطباعًا بوجود تمييز أو محاباة غير مفهومة؟

إن خطورة الوضع لا تكمُن فقط في ما يدّعيه المعني بالأمر، بل في الأثر التراكمي لمثل هذا الخطاب في مجتمع يعيش هشاشة رقمية، ويفتقد في كثير من الأحيان إلى التمحيص الإعلامي والقانوني الكافي. فالادعاء بوجود مقابر جماعية، دون مستندات، ليس فقط فعلًا مدمرًا للثقة العامة، بل هو طعنة في صميم المشروع الحقوقي والمؤسساتي الذي يناضل من أجله المغرب دوليًا.

ألا يُفترض أن يتم التعامل مع مثل هذه الادعاءات بجدية من قبل القضاء، إما عبر إثباتها بدقة وكشف الحقيقة للرأي العام، أو من خلال تفنيدها رسميًا ومعاقبة مروّجي الأكاذيب؟ وألا يؤدي التراخي في هذا المجال إلى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب وتشجيع فوضى الاتهام من وراء الشاشات؟

من جهة أخرى، تسائل الرابطة المديرية العامة للأمن الوطني عن دورها في ضمان احترام القانون من طرف الجميع، وتنتقد ما تصفه بـ”الانتقائية أو المحاباة”. وإن صحّ هذا التوصيف، فالأمر لا يُهدد فقط مصداقية أجهزة الدولة، بل يُضعف مناعة المجتمع ضد موجات التشكيك، التي تزداد حدتها في الفضاء الرقمي.

الرسالة تنتهي بتنبيه بالغ الأهمية: إن تجاهل هذه الظواهر يعطي إشارات خاطئة للرأي العام، ويُقوّض الثقة في منظومة العدالة والأمن، ويُسهم بشكل مباشر في تفشي مناخ الفوضى القانونية. فهل نحن أمام اختبار حقيقي لمدى نجاعة مؤسسات إنفاذ القانون في التعامل مع الجريمة الرقمية؟ أم أن المسألة أكثر تعقيدًا مما يبدو، وقد تكون رهينة لتقديرات سياسية أو حسابات أمنية دقيقة لم يتم الإفصاح عنها بعد؟

المثير في هذا الملف، أنه يعيد طرح السؤال العميق: هل تملك الدولة اليوم الآليات الناجعة لحماية نفسها من التهديدات غير التقليدية، التي لا تأتي من الخارج، بل تُصنع من الداخل، عبر بث الخوف والفتنة باسم حرية التعبير؟

وما موقف المجتمع المدني الأوسع؟ هل سيظل صوت الرابطة استثناءً، أم أن القضية ستعيد تشكيل وعي جديد بضرورة وضع خطوط حمراء في الفضاء الرقمي، تُحترم فيها الحريات، دون أن تُستخدم كغطاء للعبث بالسلم المجتمعي؟

المرحلة تستدعي إجابات واضحة، وتحركات مسؤولة. فالحصانة الرقمية لا يجب أن تتحول إلى درع لمن ينتهكون حقوق الآخرين، تحت غطاء حرية مشوهة لا تحترم لا القانون، ولا القيم المشتركة.