“الرباط تدخل أديس أبابا متسلّحة بالشرعية الأممية: نهاية زمن الوهم الانفصالي”

0
88

معركة الحسم الإفريقي تقترب.. وانتصار الدبلوماسية الملكية يفتح أفق ما بعد “البوليساريو”

بعد ثلاثة أشهر فقط، ستحتضن أديس أبابا القمة الثامنة والثلاثين للاتحاد الإفريقي، في سياق غير مسبوق يعيد رسم موازين القوى داخل القارة. فالمغرب هذه المرة لا يدخل الاجتماع بصفته “العائد القوي” فحسب، بل كدولةٍ رسّخت شرعيتها السياسية والدبلوماسية من خلال القرار الأممي 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025، الذي أكد تفوق المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية كحل وحيد واقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء.

انتصار مؤسساتي مغربي يُربك خصوم الأمس

القرار الأممي الأخير لم يكن مجرد اعتراف بوجاهة المقترح المغربي، بل بمثابة إعلان دبلوماسي صريح عن نهاية مرحلة التوازنات الرمادية التي كانت تمنح “البوليساريو” هوامش حضور داخل المنتظم الإفريقي. فالأمم المتحدة، ولأول مرة منذ 1975، حدّدت إطار الحل السياسي في السيادة المغربية نفسها، واضعةً بذلك الأساس القانوني والسياسي الذي يمكن للمغرب أن يستند إليه للمطالبة بـ إلغاء عضوية الكيان الوهمي من الاتحاد الإفريقي.

وهنا يبرز التحول الجوهري في المسار الإفريقي للمملكة: من الدفاع إلى المبادرة، ومن رد الفعل إلى صناعة القرار. هذه النقلة لم تأتِ صدفة، بل هي ثمرة رؤية ملكية بعيدة المدى، راهنت منذ العودة إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017 على الاشتغال من الداخل لاختراق البنيات الصلبة للمنظمة، وإعادة توجيهها نحو منطق الوحدة والتنمية بدل الانقسام الأيديولوجي.

جنوب إفريقيا والجزائر.. آخر خطوط الدفاع عن “الكيان الورقي”

كلما اقتربت ساعة الحسم، ازداد القلق في معسكر الخصوم. فقد كشفت تقارير دولية، بينها “دويتشه فيله” الألمانية، عن تحركات مكثفة تقودها جنوب إفريقيا لعرقلة أي مسعى مغربي لإسقاط عضوية “البوليساريو”، مستندة إلى تعقيدات النظام الأساسي للاتحاد الذي يتطلب إجماعًا أو أغلبية الثلثين. ومع ذلك، يبدو أن ميزان القوى لم يعد في صالح بريتوريا، خاصة بعد أن نجحت الرباط في اختراق القلاع الأنغلوفونية واستقطاب دعم سياسي من دول كانت حتى الأمس القريب تُحسب على “الصف الجنوبي”.

الأمر اللافت هو أن الرباط لم تكتف بالتحييد الدبلوماسي، بل انتقلت إلى الهجوم الاستراتيجي داخل قلب جنوب إفريقيا نفسها. ففي يوليوز الماضي، أعلن حزب “رمح الأمة” بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما دعمه الصريح لمغربية الصحراء، في خطوة أربكت الحزب الحاكم ودفعت قيادات داخل “المؤتمر الوطني الإفريقي” إلى المطالبة بمراجعة الموقف الرسمي تجاه المغرب.
هل تكون هذه الشرارة بداية لتفكك “الجدار الجنوبي” الذي احتمت خلفه الجزائر لسنوات؟

حصيلة عشر سنوات من الدبلوماسية الهادئة

بحلول 2026، يكون المغرب قد قضى عشر سنوات داخل الاتحاد الإفريقي منذ عودته التاريخية سنة 2017، وهي فترة كفيلة بإعادة بناء تحالفات نوعية ومؤثرة. اليوم، لم يعد الاعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” يتجاوز 13 دولة من أصل 54، بينما استطاع المغرب أن يكرس حضوره الاقتصادي والسياسي في غرب وشرق وجنوب القارة من خلال الاستثمارات، والاتفاقيات الأمنية، والمشاريع المشتركة في الطاقة والبنية التحتية.

فمن كينيا وغانا إلى نيجيريا وإثيوبيا، تشكل العلاقات المغربية اليوم شبكة متماسكة من المصالح المتبادلة، قائمة على رؤية إفريقية يقودها الملك محمد السادس، تجعل من المغرب فاعلًا قارّيًا ووسيطًا موثوقًا دوليًا، لا مجرد طرف في نزاع إقليمي.

نحو لحظة الحقيقة في أديس أبابا

قمة فبراير 2026 في أديس أبابا لن تكون مجرد اجتماع سياسي دوري، بل امتحانًا حقيقيًا لمستقبل الاتحاد الإفريقي نفسه: هل سيستمر في احتضان كيان لا تعترف به الأمم المتحدة؟ أم سيختار الانسجام مع الشرعية الدولية، ويمنح القارة فرصة لتجاوز واحدة من آخر بقايا الحرب الباردة؟

من هنا، تبدو الرباط واثقة من مسارها، متسلحةً بقرار أممي واضح، وبعلاقات قارّية متينة، وبرؤية ملكية تُراهن على إفريقيا جديدة، متحررة من نزاعات الماضي ومندمجة في مسار التنمية والسلام.

الأسئلة التي تفرض نفسها

  • هل سيُشكل القرار 2797 نقطة تحول حقيقية في مسار الاتحاد الإفريقي أم مجرد لحظة رمزية؟

  • كيف ستتعامل جنوب إفريقيا والجزائر مع تراجع نفوذهما داخل المنظمة؟

  • وهل يمكن أن تشهد القمة المقبلة إعلانًا غير مباشر لنهاية “البوليساريو” على الصعيد الإفريقي؟

  • وأخيرًا، إلى أي حد نجحت السياسة الإفريقية للمملكة في تحويل الدبلوماسية الهادئة إلى أداة استراتيجية لإعادة هندسة القارة من الداخل؟

 خلاصة نظرية:
الانتصار المغربي اليوم ليس وليد اللحظة، بل ثمرة سياسة ملكية متبصرة راهنت على الذكاء الدبلوماسي بدل الصدام، وعلى بناء التحالفات بدل الصراعات.
وإذا كانت أديس أبابا محطة مواجهة حاسمة، فإن التاريخ، على الأرجح، سيسجلها كنقطة تحول في الوعي الإفريقي، حيث تنتصر الواقعية على الوهم، والسيادة على الانفصال، والمستقبل على الماضي.