السينما المغربية بين مكسب تشريعي وتحديات واقعية: هل تفتح المراسيم الجديدة باب المستقبل؟

0
154

دخلت السينما المغربية مرحلة جديدة مع صدور المراسيم التنظيمية المنبثقة عن القانون رقم 18.23، المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي. مراسيم وُصفت من طرف مهنيين بأنها نقلة نوعية، ليس فقط على مستوى إعادة هيكلة القطاع، بل أيضاً في ضمان حقوق التقنيين الذين يشكلون القاعدة الصلبة لكل إنتاج سينمائي.

حماية التقنيين… مكسب تاريخي

من بين أبرز المستجدات التي لقيت ترحيباً واسعاً، التنصيص على إلزامية إدماج العقود التقنية ضمن رخصة التصوير. هذا الإجراء غير المسبوق يلزم المنتجين بإيداع العقود لدى المركز السينمائي قبل الحصول على الترخيص، بما يضمن للتقنيين حقوقهم التعاقدية ويحد من مظاهر الهشاشة التي ظلت ترافقهم لسنوات. كما شمل المرسوم أيضاً العقود المبرمة مع المخرجين، وهو ما يعزز البعد القانوني للعلاقة المهنية بين مختلف الأطراف.

مقاربة تشاركية… ورهان الشفافية

الغرفة الوطنية لمهنيي الصناعات السينمائية نوهت بالمجهود الكبير الذي بذلته وزارة الشباب والثقافة والتواصل إلى جانب المركز السينمائي المغربي، معتبرة أن العملية اعتمدت مقاربة تشاركية أتاحت للهيئات المهنية التعبير عن مقترحاتها. هذه الدينامية، بحسب المتابعين، تعكس توجهاً جديداً نحو حوكمة أكثر شفافية وقطع مع الممارسات السابقة التي اتسمت بالارتجالية أو غياب إشراك الجسم المهني.

أسئلة تطرحها المرحلة

رغم هذه المكاسب القانونية، يظل السؤال الأساسي: هل تكفي المراسيم لإطلاق صناعة سينمائية وطنية متكاملة؟

  • من الناحية العملية، يبقى التحدي في تنفيذ هذه المقتضيات. فالمركز السينمائي سيكون مطالباً بقدرات لوجستية وبشرية كبيرة لتتبع العقود ومراقبة مدى الالتزام بها.

  • هناك أيضاً تخوف من أن تتحول هذه المقتضيات إلى عبء بيروقراطي قد يعيق المنتجين المستقلين والشباب، إذا لم تقترن بمرونة إجرائية واضحة.

  • والأهم أن الصناعة السينمائية لا تقوم فقط على القوانين، بل تحتاج إلى رؤية ثقافية شاملة تعزز الكتابة السينمائية، تدعم الإنتاج المحلي، وتعيد الاعتبار لقاعات العرض التي تعيش أزمة وجودية.

بين الاستثمار الأجنبي والهوية الوطنية

المغرب بات وجهة مفضلة للإنتاجات السينمائية الأجنبية بفضل البنية التحتية وتنافسية التكاليف. والقانون الجديد يمنح ضمانات إضافية تشجع المستثمرين الدوليين. لكن التحدي يكمن في الموازنة بين استقطاب هذه الاستثمارات من جهة، وبناء صناعة وطنية قادرة على التعبير عن المجتمع المغربي وهمومه من جهة أخرى. فالخطر هو أن يظل المغرب مجرد “بلاتوه عالمي مفتوح”، بينما يعاني الإنتاج المحلي من ضعف الدعم والتوزيع.

نحو صناعة أكثر إشعاعاً؟

لا شك أن القانون 18.23 والمراسيم المصاحبة له يمثلان منعطفاً تاريخياً في مسار السينما الوطنية. فهي ترسي لأول مرة أسساً قانونية متينة لحماية الحقوق المهنية، وتفتح المجال أمام دينامية جديدة قد تجعل المغرب لاعباً أساسياً في الصناعة السينمائية العالمية.

لكن النجاح الحقيقي سيقاس بقدرة الدولة والمهنيين على تحويل النصوص إلى ممارسة واقعية، وعلى التوفيق بين حماية العاملين، تشجيع الإبداع، وضمان إشعاع وطني ودولي.

خاتمة

يمكن القول إن المغرب وضع الإطار التشريعي الذي طالما نادى به المهنيون، غير أن مستقبل السينما المغربية سيظل رهيناً بمدى قدرة هذا الإطار على إحداث التغيير في الواقع اليومي لصناع السينما. فهل يكون هذا القانون بداية نهضة جديدة تجعل من السينما المغربية صناعة قوية ومؤثرة، أم سيبقى إنجازاً قانونياً يواجه تحديات التنفيذ؟