الشاوي : الدبلوماسية المغربية “لا تقوم على أي أساس نظري تحليلي فرضتها الظرفية والاستثنائية”..”الدبلوماسية الدينية” من أهم الأسلحة الناعمة للممكلة

0
210

وصف عبد القادر الشاوي، سفير المغرب السابق لدى الشيلي، الدبلوماسية المغربية الرسمية، بأنها : “لا تقوم على أي أساس نظري تحليلي يرسم خططها وتصوراتها ومصالحها الوطنية وأهدافها البعيدة والقريبة، بل إن موقفها تطبعه الظرفية والاستثنائية”.

وقال الشاوي انطلاقا من تجربته في العمل الدبلوماسي، أن من بين المنطلقات المترسخة في الدبلوماسية المغربية، والتي أصبحت مسلّمات بديهية، “نجد ستّ ظواهر مترابطة، تتمثل في نوع من الصمت السياسي، والهيمنة الإدارية البيروقراطية المركزية، والأولوية للاعتبارات الشخصية أحيانا على حساب الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، إضافة إلى نوع من النقصان المهني”.

واعتبر  الشاوي، أن المهنية لم تكن دائما حاضرة في عمل الديبلوماسية المغربية في العدد من المناطق عبر العام في بعض الأحيان، مؤكدا أنه كان في بعض الأحيان قصور وجمود في عملها وخاصة في بعض البلدان كالأوروغوي وفينزويلا.

وشدد المتحدث، على أن “العمل الديبلوماسي لم يكن موفقا في العديد من الفترات وكان مقيدا بشعارات مستهلكة”.

وأبرز المتحدّث، أن هناك عدد كبير من المنطلقات المترسخة في الديبلوماسية المغربية، والتي أصبحت مع الوقت “مسلمة بديهية”، وعلى رأسها “الصمت السياسي، والهيمنة الإدارية البيروقراطية المركزية، والأولوية للاعتبارات الشخصية على حساب الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، والنقصان المهني”.

وعن ضعف المهنية الديبلوماسية المغربية، أكد الشاوي، أن عدم توفر المغرب على مؤسسات أو أكاديمية لتكوين الدبلوماسيين، سبب أساسي في هذا الضعف، مشيرا إلى أن “أغلبية العاملين في السلك الديبلوماسي هم خريجوا المدرسة الإدارية أو تقترحهم الأحزاب السياسية”.

وفي سياق آخر، انتقد المتحدث، استمرار تحكم الإدارة المركزية في توجيه عمل القائمين على البعثات الدبلوماسية المغربية في الخارج، مسجلا أن هذا الأخير من المفروض أن يتم استنادا للأوضاع الخاصة ببلد الإقامة.

كما ندّد الشاوي، بـ”غموض التواصل وضعف الإلمام”، معتبرا أن “ضعف تواصل الدبلوماسية المغربية تسبب في بقاء المغرب بالنسبة لعدد من الدول قارة مجهولة، وفي أحسن الأحوال يُنظر إليه، حتى من طرف نخب تلك البلدان، على أنه بلد عربي مسلم متخلف ينتمي إلى القرون الوسطى”.. مضيفاً إن “عدم تغطية المغرب لكل بلدان أمريكا اللاتينية، وفي أفضل الأحوال تغطية بعض الدول بالوكالة بعواصم الدول التي يملك المغرب علاقة جيدة معها، غياب التغطية بكل من فنزويلا والإكوادور والبرغواي الداعمة للانفصالية بالصحراء المغربية”، يشكل تغرة كبيرة في العمل الدبلوماسي المغربي بهذه المنطقة, والتي يبقى التمثيل الدبلوماسي المغربي بها متأخرا، مذكرا بأن ” أول سفيرللمغرب بدول أمريكا اللاتينية، استقر بالمكسي سنة 1991، وبعدها بست سنوات بالشيلي، فيما لم يباشر السفير المغربي مهامه في غواتيمالا إلا قبل أربع أو خمس سنوات من اليوم”.

وختم الشاوي، بأن ” العمل الديبلوماسي المغربي، لم يوفق لحد الآن من الإقناع بصحة الأطروحة المغربية بالأسلوب الملائم الذي قد ينطلق من الإقناع السياسي، بالتجربة التاريخية لقضية الصحراء، في ارتباطها بالمغرب، وامتدادها في جغرافيته من جميع النواحي، والجوانب، بالإضافة إلى ما يرتبط بذلك من قضايا وموضوعات وسياسات واستراتيجيات، في مقابل ما تدعيه حركة البوليساريو وتساعدها دولة الجزائر من ارتباط بقضية الصحراء، بقضية تصفية الاستعمار، أو بالتوسع المغربي”، مؤكدا أن هذه النقطة “تجد لها في أمريكا اللاتينية بحكم المرحلة التاريخية التي اتسمت منذ التمانينيات في التجارب لبلدانها بعودة الديمقراطيات التي أسميها شخصيا بالدمقراطية التحكمية، آذانا صاغية، وأنصارا كثيرين وتربة مساعدة ودعم سياسي، غالبا ما يحرج الدبلوماسية المغربية، أو تجبرها على مزيد من الصمت، أو الوقوف العاجز أمام الادعاء ات الحاطة أحيانا من القيمة الرمزية للبلد، ولشعبه”. 

 وتُعتبر “الدبلوماسية الدينية” من أهم الأسلحة الناعمة التي تعتمد عليها المملكة لتوطيد علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية التي تدين شعوبها بالإسلام. وقد زادت أهمية هذا “السلاح الديني الناعم” بعد انسحاب المغرب سنة 1983 من الاتحاد الأفريقي احتجاجا على منح الأخير جبهة البوليساريو مقعدا داخله، ومن ثم شكَّلت الدبلوماسية الدينية فرصة موازية ساعدت الرباط على توطيد علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية رغم انسحابها من الاتحاد القاري. وفي إطار هذه الإستراتيجية، اعتمد المغرب على زاوية صوفية أخرى هي الزاوية التيجانية ومقرها مدينة فاس. 

في عام 2004، أعلن المغرب عبر ظهير شريف (مرسوم ملكي) أصدره الملك تأسيس معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، وأتت هذه الخطوة في إطار إستراتيجية المغرب لتأطير المجال الديني، واستهدفت عددا من المرشدين والمرشدات الأجانب الذين تمتد مدة تكوينهم بهذا المعهد ما بين 6 أشهر و3 سنوات، فاحتضن المعهد عددا من الطلبة من الخارج وعلى رأسهم الطلبة الأفارقة من السنغال ومالي وغينيا وكوت ديفوار ونيجيريا والغابون والتشاد، بالإضافة إلى دول أخرى. 

يدخل هذا المعهد في إطار إستراتيجية المغرب الدينية التي عرفت تحوُّلا نوعيا في الحقبة الأخيرة. فبعد أن كانت الرباط تعتمد في الأمس القريب على الزوايا حصرا بوصفها قناة لنقل النفوذ الروحي إلى باقي دول القارة، فإنها نقلت فلسفتها من الدفاع إلى الهجوم، لتشرع في تكوين الأئمة الذين سيعملون داخل القارة السمراء وفق الثوابت الدينية المغربية.

غيَّر المغرب من إستراتيجيته إذن، ساعيا لبناء شراكات متميزة على المدى الطويل عبر مسارين اثنين: أولا، النشاط الدبلوماسي لمؤسسة “إمارة المؤمنين” التي يتزعَّمها العاهل المغربي على الساحة الأفريقية، إذ أقدم الملك محمد السادس على نحو 50 زيارة لدول أفريقية حتى منتصف سنة 2017، وحرص على تضمين هذه الزيارات بعض الأنشطة الدينية. وفي الفترة الفاصلة بين عامَيْ 2014-2016، شملت الأنشطة الرسمية 70 صلاة جمعة، 13 منها نُظِّمت بدول أفريقية كالسنغال ومالي والغابون ونيجيريا، بجانب حرص القصر الملكي بالرباط على المساعدة في تدبير الشؤون الداخلية لعدد من الدول، عبر لقاء نحو 14 زعيما دينيا وشيخ طريقة صوفية. أما المسار الثاني فهو مؤسسة محمد السادس لنشر المصحف الشريف، التي تُوزِّع آلاف النسخ من القرآن الكريم سنويا في أفريقيا.

مؤسسة إمارة المؤمنين

آتت هذه الجهود أُكلها على ما يبدو، حيث قفز عدد الاتفاقيات الدينية بين المغرب والدول الأفريقية من 5 اتفاقيات بين عامَيْ 1975-1999 إلى 10 بين عامَيْ 2000-2011، ثم تضاعف العدد إلى 36 اتفاقية بين عامَيْ 2012-2016. وكما يظهر من هذا الزخم المتزايد للدبلوماسية الدينية، فإن أهدافها تتجاوز مجرد مد جسور التواصل مع الفاعلين الإسلاميين في البلدان الأفريقية القريبة من المغرب إلى تحقيق أهداف سياسية وأمنية أكثر عُمقا.

يهدف المغرب من خلال هذه الإستراتيجية الدينية إلى السهر على حماية أمنه القومي، ذلك لأن المغرب يَعتبر أن المقاربة الروحية تأتي لتكمل العمل العسكري من أجل إحلال الاستقرار في منطقة الساحل. ولعل فشل فرنسا العسكري في مالي، وتَمكُّن عدد من الجماعات الجهادية من تحقيق مكاسب كبيرة في المنطقة رغم التدخلات العسكرية المختلفة، يصب في صالح رؤية المغرب، وهو ما عبَّر عنه الملك محمد السادس في خطابه في سبتمبر/أيلول 2013 بمناسبة تنصيب الرئيس المالي “إبراهيم بوبكر كيتا” حين قال: “إن أي مبادرة دولية يتم التنسيق بشأنها دون إيلاء البُعد الثقافي والعقائدي الأهمية التي يستحقها سيكون مصيرها الفشل”. 

أما ثاني أهداف الإستراتيجية المغربية فهو بدون شك محاولة تجاوز مأزق شلل التعاون بين دول المغرب العربي، خصوصا المغرب والجزائر، البلدين الشقيقين اللذين شلَّت التوترات القائمة بينهما جميع نِيَّات إعادة إحياء مشروع “المغربي العربي”، وهو ما يدفع الرباط إلى البحث عن شركاء آخرين أكثر إفادة من المشروع المغاربي.