“الشراكة المغربية-الأوروبية: تحديات القرار القضائي وأفق التعاون المستدام في ظل الأزمات الراهنة”

0
137

في ظل التطورات السياسية الأخيرة وتأثيرات القرار القضائي الأوروبي بإلغاء الاتفاقيات التجارية مع المغرب، جدد أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع، التأكيد على قوة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.

جاءت تصريحات فارهيلي في سياق زيارة رسمية له إلى الرباط، والتي وصفها بأنها “أكبر دليل على متانة العلاقة بين بروكسل والرباط”، مسلطًا الضوء على التزام الاتحاد الأوروبي بالعمل مع المغرب كشريك استراتيجي في مجالات متعددة، لا سيما في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي تلوح في الأفق.

دعم مادي في زمن الحاجة

واحدة من أبرز محطات الزيارة كانت إعلان فارهيلي عن توقيع اتفاقية تمويل بقيمة 190 مليون يورو، وهي جزء من برنامج أوسع يتضمن 225 مليون يورو موجهة لإعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال شتنبر 2023.

هذه المبادرة تأتي في وقت حرج، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي للمساهمة في التخفيف من آثار الكارثة الطبيعية، مع التركيز على تحسين الخدمات العمومية وإعادة إحياء الاقتصاد المحلي. ولكن السؤال يظل قائمًا: هل هذا التمويل هو الحل الأمثل لتجاوز تحديات الزلزال، أم أن الحاجة إلى حلول شاملة تتجاوز الدعم المالي المباشر؟

مغرب كركيزة للاستقرار الإقليمي

في الوقت الذي أكد فيه فارهيلي أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى المغرب كـ”ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار الإقليميين”، تبقى الأسئلة المحورية حول كيفية تحويل هذا الاعتراف إلى مكاسب ملموسة للجانب المغربي.

هل تقتصر الشراكة على مجالات الأمن والهجرة، أم يمكن أن تمتد لتشمل مجالات أكثر تأثيرًا على التنمية المحلية مثل التعليم والتكنولوجيا والبحث العلمي؟ وكيف يمكن للمغرب أن يضمن استفادته الأكبر من هذه العلاقة الاستراتيجية في ظل التحديات الحالية؟

التحديات ومسارات الحل

لم ينكر فارهيلي وجود “شدائد وعقبات” تعترض الشراكة بين الجانبين، وهو ما يطرح تساؤلات حول القدرة على تخطي هذه الصعوبات. هل يمكن للاتحاد الأوروبي والمغرب تجاوز هذه العقبات بالاعتماد فقط على الإرادة السياسية؟ أم أن هناك حاجة لمقاربة جديدة تعزز التنسيق على المستوى الشعبي، وتؤسس لحوار استراتيجي أعمق يتجاوز الأبعاد الدبلوماسية التقليدية؟ في هذا السياق، يعد دعم الاتحاد الأوروبي للإصلاحات التي يقودها الملك محمد السادس خطوة إيجابية، ولكن هل يشمل هذا الدعم كافة المجالات التي تحتاج إلى إصلاح جاد، أم يقتصر على المجالات ذات الطابع الدولي؟

فرص جديدة في مواجهة الأزمات

من جهة أخرى، أكدت تصريحات فارهيلي أن الأزمات التي مر بها المغرب، سواء الجائحة أو زلزال الحوز، يمكن أن تكون فرصًا لتعميق التعاون بين الجانبين. الدعم الأوروبي لإعادة الإعمار يعتبر مؤشرًا على التضامن، ولكنه يفتح المجال للتساؤل: هل يمكن لهذه الأزمات أن تكون محركًا لإعادة صياغة الشراكة المغربية-الأوروبية على أسس جديدة، تتمحور حول التعاون المستدام والتكامل الفعلي في مواجهة التحديات الكبرى، مثل تغير المناخ والانتقال إلى الطاقة المتجددة؟

رسالة الشراكة المستدامة

ختامًا، تمثل العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي نموذجًا على الشراكات الاستراتيجية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن هل تكفي العبارات الدبلوماسية التي وصف بها فارهيلي العلاقة بين الطرفين بأنها “مبنية على الصداقة والإرادة المشتركة” لتأمين استدامة هذه الشراكة؟ أم أن هناك حاجة إلى خطوات ملموسة تواكب الأوضاع الراهنة وتستجيب لآمال الشعوب في تحقيق رفاهية دائمة؟

يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن للاتحاد الأوروبي والمغرب تحويل التحديات التي يواجهانها إلى فرص لبناء علاقة استراتيجية ذات أبعاد أوسع، تلبي تطلعات شعوبهما وتضمن مستقبلًا مشتركًا يحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة؟