الشركات المحتكرة لتجارة المحروقات ترد على قرار المجلس بــ “زيادة ثالثة في الاسعار” خلال أسبوع؟!

0
511

تقرير جمال السوسي

تزامن قرار المجلس مع عودة أسعار المحروقات للارتفاع في الأسواق المغربية.

بعد فتح المغرب ملف أكبر قضية منافسة واحتكار بقطاع المحروقات، والتي تضم 9 شركات كبرى بالمملكة، كما تعمل على عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها”.

فرغم هذه “مؤاخذات” التي شملت كل موزعي الوقود والذين يواجهون في السنوات الأخيرة اتهامات بالتواطؤ” للتوافق على الأسعار وبتحديد هوامش أرباح مرتفعة حتى عندما تنخفض أسعار المحروقات في الخارج.

السؤال الذي يطرحه المغاربة ببساطة، من يحميهم من موجات الأسعار المرتفعة؟ وكيف السبيل إلى وقفها؟

الجواب جاء سريعا، عمدت الشركات المحتكرة للمحروقات في البلاد في تحدي للشعب المغربي  إلى إقرار ثلاث زيادات متتالية في أسعار المحروقات خلال 10 أيام فقط.

فبعد الزيادة الأولى في 2 غشت الجاري والثانية في 7 من الشهر، والتي همت الغازوال والبنزين، يرتقب أن ترفع الشركات الأسعار من جديد اليوم الخميس، قبيل منتصف الليل بدقائق.

وسترفع شركات المحروقات اعتبارا من اليوم أسعار الغازوال بـ35 سنتيما غي اللتر الواحد، فيما ستبقي على ستبقي على سعر البنزين في مستوياته.

ورفعت شركات المحروقات سعر الغازوال في المرة الأولى ب27 سنتيما، ثم في المرة الثانية ب27 سنتيما، واليوم ب35 سنتيما، لتصل الزيادة في ظرف 10 أيام لحوالي درهم (89سنتيما) في اللتر الواحد، في حين بلغ مجموع الزيادات في البنزين (98 سنتيما) في اللتر.

تعليقاً على الموضوع،  قال الحسين اليماني الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز العضو في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”ويستمر تدمير القدرة الشرائية للمغاربة من جراء حذف الدعم وتحرير أسعار المحروقات”:

وأضاف اليمني، أنه منذ مطلع شهر غشت وبشكل متزامن وأمام أعين الجميع بمن فيهم دركي المنافسة، رفع الموزعون من أسعار المحروقات مرتين، ليفوق سعر الغازوال 12.14 درهم وسعر البنزين 14.39 درهم مع تفاوتات بسيطة بين الفاعلين.

واعتبر اليمني أنه، بتحليل مكونات الأسعار المطبقة في السوق، يتبين بأن نسبة الضريبة وأرباح الفاعلين تمثل 43٪ أو 5.26 درهم في لتر الغازوال، منها حوالي درهمين كأرباح للموزعين!

وأضاف حيث يجمع المتتبعون، بأن ارتفاع أسعار المحروقات ، كان السبب الرئيسي في التضخم الذي نغص الحياة على المغاربة، فمتى ستفهم حكومة رجال الاعمال وتجار النفط والغاز، بضرورة التدخل للحد من غلاء أسعار المحروقات، من خلال 1_ العودة لتسقيف أرباح الفاعلين في القطاع(حتى ان بعض التجار في العقار ولجوا عالم المحروقات السخي بأرباحه الوافرة) 2_ التخفيض من الضرائب أو حذفها مع حمل المتهربين من الضريبة على أذاء ما بذمتهم 3_ إحياء تكرير البترول بمصفاة شركة سامير والرفع من المخزونات الوطنية 4_ تكسير جسور التفاهم والتوافق الضمني والصريح حول أسعار المحروقات وتفعيل الدور الزجري لمجلس المنافسة 5_ وضع آليات لدعم أسعار المحروقات في حال قفزها فوق طاقة المستهلكين الكبار والصغار وخصوصا المهنيين في النقل.

هذه الزيادات خلفت ردود فعل غاضبة، بين من رأى فيها تحديا من طرف الشركات لمجلس المنافسة، ومن اعتبرها دليلا على كون لوبي المحروقات أقوى من اي محاسبة او ردع قد يطاله.

تحوّل الحديث عن ارتفاع الأسعار في المغرب إلى موضوع شبه يومي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي النقاشات العامة، خصوصاً أن هذا الارتفاع يمسّ حالياً جلّ السلع الأساسية، ويؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة اليومي للطبقتين الفقيرة والمتوسطة.

وقال المجلس، في بيان له الجمعة الماضية، إن مصالح التحقيق التابعة للمجلس على مخالفة شركات المحروقات في المغرب لمقتضيات القانون المنظم لحرية الأسعار والمنافسة.

وأورد أن ممارسات هذه الشركات تهدف إلى “الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى”.

كما تعمل على عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها”.

بالإضافة إلى حصر، أو مراقبة الإنتاج، أو المنافذ، أو الاستثمارات، أو التقدم التقني، ناهيك عن تقسيم الأسواق أو مصادر التموين أو الصفقات العمومية.

وتزامن قرار المجلس مع عودة أسعار المحروقات للارتفاع في الأسواق المغربية، ومعها عودة تأفف المواطنين ومطالبتهم بالتراجع عن قرار رفع الدعم عن المحروقات، الذي اتخذته حكومة العدالة والتنمية أواخر عام 2015.

أما الحكومة الحالية، التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار ويرأسها عزيز أخنوش، فتُعزي هذه الارتفاعات غير المسبوقة إلى قرار رفع الدعم عن المحروقات من جهة، وارتفاع أسعارها على المستوى الدولي من جهة أخرى، متحدثة عن توجيهها دعماً مالياً مباشراً للخدمات العمومية المتضررة من هذه الارتفاعات الدولية، وعلى رأسها قطاع النقل العمومي.

وإلى حدود الساعة، لم تتجاوب إلى شركة واحدة من بيان مجلس المنافسة، ويتعلق بشركة “طوطال” الفرنسية، التي أكدت توصلها بملاحظات المجلس، موضحة أنها بصدد إعداد عناصر الإجابة الملائمة.

وليست المرة الأولى التي يتحدث فيها المجلس عن تجاوزات من طرف شركات توزيع المحروقات في المغرب، بل سبق له عام 2020 أن وجه عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب “الإخلال بشروط المنافسة”، إلا أن القرار لم يجد طريقه نحو التطبيق، بحسب خلاف داخل المجلس حول المساطر القانونية لاتخاذه.

وعام 2018، خلص تحقيق أجرته لجنة برلمانية خاصة إلى أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا “تأثيرا مباشرا لارتفاع أسعار المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين”.

وتتعالى الأصوات لحماية جيوب المغاربة جراء هذه الزيادات المتتالية في أسعار المحروقات، خاصة في فترة العطلة التي تمتاز بكثرة التنقلات، وتتوالى المطالب لردع الشركات وحملها على احترام القانون، و قف استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة وأن أسعار المحروقات تنعكس على باقي المواد.

وتعود وقائع هذه القضية إلى شباط/فبراير 2020 حين خلص تحقيق لمجلس المنافسة إلى توقيع عقوبات مالية ثقيلة على شركات توزيع المحروقات بسبب الإخلال بشروط المنافسة، لكن القرار بقي مجمدا بسبب خلاف بين أعضاء المجلس حول قيمة العقوبات وعدد الشركات المعنية بها.

واتخذت القضية بعدا سياسيا نظرا لكون شركة “أفريقيا غاز” التي تعود ملكيتها إلى رئيس الوزراء الحالي عزيز أخنوش من بين المعنيين به لكن ذلك لا يمنع من ان الرباط تسعى لتطبيق القانون على الجميع على أساس المساواة والعدل.

وتسيطر الأخيرة، إلى جانب “توتال” و”شل”، على الحصة الأكبر من سوق الوقود في البلاد.
وتعليقا على القرار قالت شركة “توتال” في بيان إنها “تتعاون بشكل تام مع مصالح التحقيق في مجلس المنافسة وتحضر عناصر الإجابات الملائمة”.

وظلت أسعار بيع المحروقات في المغرب مدعومة من الدولة لسنوات، قبل أن تصبح خاضعة لقانون السوق ابتداء من أواخر 2015.

وأثيرت منذ ذلك الحين شبهة وجود تواطؤ بين الموزعين لتحديد أسعار تضمن هامش ربح كبيرا على حساب المستهلكين.

وكان تقرير للجنة تحقيق برلمانية أكد في 2018 أن ارتفاع أسعار البيع بمحطات الوقود لا يوازي انخفاض أسعار الاستيراد من الخارج، مسجلا “تأثيرا مباشرا لارتفاع أسعار المحروقات على القدرة الشرائية للمواطنين”.

وتقوم السلطات المغربية بجهود كبيرة لتحقيق الشفافية ومكافحة الفساد والبيروقراطية وهو ما ساهم في تحقيق تقدم اقتصادي غير مسبوق ودفع الاستثمارات الداخلية والخارجية.

يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه المندوبية السامية للتخطيط في المغرب (هيئة حكومية مكلفة بالإحصائيات) هذا الأسبوع أن مؤشر التضخم الأساسي، الذي يستثني المواد ذات الأثمان المحددة والمواد ذات التقلبات العالية، قد ارتفع خلال يناير/ كانون الثاني 2023  بنسبة 8.2 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من عام 2022، وارتفع في شهر واحد بنسبة 4 في المئة (مقارنة مع شهر ديسمبر/كانون الأول 2022).

وتشير المندوبية مذكرة، أن الرقم الاستدلالي للأسعار عند الاستهلاك، ارتفع شهريا بنسبة 5 بالمئة. وشمل الارتفاع مجموعة من المواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه واللحوم ومنتجات الحليب. وبالمقارنة بين أسعار هذه المواد في الفترة الحالية والفترة ذاتها من العام الماضي، يتبين أن هناك ارتفاعاً بنسبة 16.8 بالمئة.

وتُرجع الحكومة المغربية أسباب الغلاء إلى هذا السياق الدولي، خصوصاً أن أسعار الكثير من المواد الأساسية ارتفعت في السوق الدولية، لكنها كذلك تتحدث عن أسباب أخرى منها موجة البرد التي أثرت سلبا على نضج المحاصيل، وتوالي سنوات الجفاف، وكذلك المضاربات في الأسواق.

وقال إدريس الأزمي الإدريسي، قيادي بحزب العدالة والتنمية المعارض، إن ما يعرف بتأثير “موجة التضخم المستورد”  على الأسعار أمر صحيح، لكن ارتفاع الأسعار يفوق بكثير نسبة التضخم المعلنة، وهناك مواد غذائية ارتفع سعرها بنسبة 200 في المئة أو حتى 300 في المئة، ما يطرح أسئلة كبيرة عن نجاعة السياسة الزراعية المتبعة في المغرب.

وتابع الوزير السابق المكلف بالميزانية في عهد الحكومة السابقة، في ندوة صحفية، إن الأجواء المناخية هي أسباب هيكلية تعاني منها المواد الغذائية في المغرب وليست بالتالي أمراً جديداً. ويرى أن الحكومة تحاول إخفاء أحد أسباب الغلاء، وهو قطاع المحروقات، (ارتفعت أسعارها بين 60 و 80 بالمئة)، وأن ما أعلنته من إجراءات لدعم القطاعات الرئيسية المرتبطة به ليس لها أثر واضح.

ويوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة استشارية حكومية) إن المنتجات الفلاحية المغربية تعاني من مشكل كبير في التسويق، ما يؤدي إلى اختلالات في تنظيم الأسواق الأسبوعية، ويساهم في انتشار البيع خارج القطاع المنظم، فضلاً عن تأخر التحوّل الرقمي، والحجم المفرط للوسطاء الخارجين عن المراقبة، ما يؤدي إلى إذكاء المضاربة وارتفاع الأسعار.