الصحافة الحُرة ورهاناتُ المغرب بين الأمل والتحديات

0
371

في مقال تحليلي عميق، يضع د. بوجمعة العوفي — الشاعر والناقد الفني — إصبعه على جرح المشهد المغربي، مستعرضًا ما يراه رهانات أساسية تواجه البلاد بين طموح التحديث والتحديات البنيوية. وبمنهج أقرب إلى “صحافة النظر” التي لا تكتفي بنقل الخبر، بل تذهب إلى تفكيك أسبابه وسياقاته، ينطلق العوفي من ملاحظة مركزية: أن المغرب يعيش مفارقة واضحة بين إرث حضاري طويل وإصلاحات معلنة من جهة، وواقع سياسي واقتصادي واجتماعي متشابك ومعقّد من جهة أخرى.

المشهد السياسي: الديمقراطية بين النص والواقع

يطرح العوفي سؤالًا جوهريًا: إلى أي حد تعكس النصوص الدستورية والآليات الانتخابية في المغرب ممارسة ديمقراطية حقيقية؟

رغم تبني البلاد لنظام انتخابي تعددي، يكشف الواقع عن استمرار ضعف الثقة الشعبية، وهيمنة نفس الوجوه على القرار، وتداخل المصالح السياسية والاقتصادية.

بيانات مؤشر الديمقراطية (Economist Intelligence Unit) تُصنف المغرب في خانة “الأنظمة الهجينة”، ما يفتح الباب للتساؤل: هل نحن أمام ديمقراطية وظيفية، أم ممارسة شكلية تُفرغ القوانين من مضمونها؟

الاقتصاد: بين أرقام النمو والفوارق الاجتماعية

يناقش العوفي التناقض بين الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومات حول النمو، وبين الواقع الاجتماعي الذي يشهد اتساع الهوة بين الفئات.

تظهر بيانات البنك الدولي والمندوبية السامية للتخطيط أن المغرب حقق نسب نمو ملحوظة في مجالات البنية التحتية والطاقات المتجددة، لكن مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة (2024) يضعه في المرتبة 123 عالميًا، ما يكشف أن هذا النمو لم يتحول إلى مكاسب اجتماعية عادلة.

البعد الاجتماعي: من الإحباط إلى الحراك

في قراءته، يربط العوفي بين الأوضاع السياسية والاقتصادية وتراجع الثقة في المؤسسات، وارتفاع وتيرة الاحتجاجات المطلبية.

رغم المبادرات مثل برنامج الحماية الاجتماعية، فإن آثارها بطيئة وغير متوازنة بين الحواضر والمناطق الهامشية، ما يترك المجال مفتوحًا أمام تنامي الإحباط، لكنه في الوقت نفسه يخلق دينامية مجتمعية رافضة للركود.

الصحافة الحرة: شاهد وفاعل

يؤكد العوفي أن الصحافة الحرة ليست ترفًا، بل شرطًا لأي إصلاح حقيقي. في السياق المغربي، حيث تتشابك السلطة السياسية والاقتصاد والنسيج الاجتماعي، تصبح مقالات الرأي فضاءً لطرح الأسئلة الحساسة، وكشف تناقضات الخطاب الرسمي، وفتح النقاش حول بدائل واقعية.

التجارب الدولية — من إصلاحات الشفافية في جورجيا إلى لجان الحقيقة في جنوب إفريقيا — تبرهن أن الإعلام المستقل يمكن أن يكون شريكًا أساسيًا في إعادة بناء الثقة، إذا توفرت له الاستقلالية والحماية القانونية.

بين الأمل والتحديات

يختم العوفي مقاله برؤية تؤكد أن التغيير لن يأتي فقط من مشاريع تنموية أو خطط اقتصادية، بل من تغيير في الوعي الجمعي، وإرادة سياسية تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار.

السؤال الذي يطرحه — ويتركه مفتوحًا أمام القارئ — هو: هل يستطيع المغرب تحويل إمكاناته وتراكماته إلى واقع أكثر عدالة وشفافية، أم سيبقى أسير حلقة الخطابات المطمئنة والنتائج المحدودة؟