“الصمت أكبر راعٍ للفساد”: أوزين يضع البرلمان والإعلام تحت المجهر

0
135

تحليل: خطاب محمد أوزين والصراع حول الفساد، الإعلام، ومسألة المساءلة السياسية في المغرب

الرباط | 22 ديسمبر 2025 – في قلب البرلمان المغربي، يقف محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، في مواجهة بيئة سياسية وإعلامية شبه مستحيلة. كلمات مثل “الفساد” و“الصمت أكبر راعٍ للفساد” تتردد في جلساته، لكنه يواجه أغلبية مسيطرة، وإعلامًا مرتبطًا بجهات نافذة. الهجوم على موقع إلكتروني ذي نفوذ واسع يجعل المعركة تبدو أكثر من مجرد نقاش سياسي؛ إنها مواجهة بين صوت أحادي مع إرث من الهيمنة المؤسسية والإعلامية.

أثار تصريح أوزين في جلسة برلمانية جدلاً واسعًا وتفاعلات متعددة على منصات التواصل ومنابر إلكترونية مغربية، بعدما جاء في منتصفه التأكيد على أن «الصمت أكبر راعٍ للفساد… والمغرب يُبنى بالمواقف لا بالصمت». هذا الخطاب، الذي يكرّس فكرة ضرورة الانخراط في مساءلة ومسارعة المؤسسات والسياسيين في مواجهة ممارسات يُنظر إليها على أنها تُكرّس الفساد أو عدم المحاسبة، يعكس أكثر من مجرد موقف معارض تقليدي، بل يدخل في صلب نقاش أوسع حول دور المعارضة، حرية التعبير، والإعلام.

الصيغة والرسالة: ما وراء الكلمات

في مقطع الفيديو المتداول، يسعى أوزين إلى وضع حديثه في إطار دستوري وسياسي واضح: يُذكّر بأن الرقابة والمساءلة من مهام البرلمان والنواب، وأن أي محاولة لإقصاء المعارضة أو توجيهها نحو التشهير بدل النقاش المؤسسي يمثل منزلقًا خطيرًا. في جوهر عبارته “الصمت أكبر راعٍ للفساد” تكمن دعوة واضحة للمساءلة الفعلية بدل الخنوع أو الاكتفاء بالتذمر الاجتماعي.

الخطاب، بحدّ ذاته، يتجاوز مجرد النقد الحكومي، ليشمل تحذيرًا من أن المناخ الإعلامي والسياسي قد يحوّل النقاش السياسي إلى “تبخيس” أو تقليل من شأن مؤسسات الدولة، وهو ما يستهدف تعزيز أداء البرلمان والفاعلين السياسيين بدل الانزعاج من النقد لوحده.

خلافات مع الإعلام والمواقع: خلفيات سياسية واجتماعية

يأتي تصريح أوزين في سياق علاقة متوترة بين بعض الأصوات السياسية وأجزاء من المشهد الإعلامي الرقمي في المغرب، حيث ينتقد بعض السياسيين ما يعتبرونه نهجًا في الترويج للفضائح، والتنميط السلبي للمشهد السياسي، أو التشهير خارج أطر الحقائق المؤكدة. بحسب تقارير حقوقية، فإن الإعلام المغربي يمرّ ببيئة حساسة، حيث تُواجه بعض المنابر اتهامات بأنها تلجأ إلى التشهير، أو أنها قريبة من جهات نافذة، بينما تتعرض منابر أخرى لضغوطات وتنبيهات حول حرية التعبير والرقابة الذاتية، وهو واقع موثق من قبل منظمات حقوقية دولية في أبحاثها على حرية التعبير في المغرب.

هذه البيئة المركّبة ساهمت في أن يُنظر إلى أي خطاب معارض قوي—سواء كان يتعلق بالفساد أو بالمساءلة السياسية—بوصفه تحذيرًا من خطرين متلازمين: الصوت الذي لا يُسْمَع داخل المؤسسات، والصوت الذي يُمارس النقد خارجها عبر منابر إعلامية تخضع لاتهامات بعدم المهنية أو بالميل نحو التسييس. يضع هذا الثنائي المعارضة في موضع دفاعي بين ضرورة الانفتاح على النقد والمساءلة من جهة، والحذر من الانزلاق إلى خطاب يستغله خصومها في الاتجاهين من جهة أخرى.

السياق الأوسع: المعارضة والرقابة المؤسساتية

منذ أعوام، يعبر حزب الحركة الشعبية، ضمن أحزاب معارضة أخرى، عن موقف نقدي تجاه أداء الحكومة في ملفات اجتماعية واقتصادية مختلفة، مثل مواجهة غلاء المعيشة أو التفاعل مع البرلمان. في مارس 2023، واجه الحزب صعوبات في التواصل مع الحكومة حتى في ملفات اجتماعية وسياسية مشتركة في البرلمان، وهو ما اعتبره بعض نوابه مؤشرًا على صعوبة ممارسة المعارضة لدورها في الحقل التشريعي.

يُضاف إلى ذلك أن الخطاب حول الفساد في المغرب له طابع حساس، مثله مثل بقية الدول؛ فهو مطروح بقوة في النقاش العمومي، ويساهم في ذلك تعدد المبادرات الحقوقية والتقارير التي تسلط الضوء على قضايا مرتبطة بإدارة الأموال العامة، ومسؤولية الفاعلين العموميين، بما في ذلك حالات تم تناولها في الماضي عبر شكايات أو تحقيقات على صعيد منظمات المجتمع المدني.

فقرة الأسئلة المفتوحة: تحديات المعركة

في هذا الواقع، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها:

  • هل يمكن لمعركة أوزين أن تحقق أي اختراق حقيقي أمام أغلبية برلمانية قوية وإعلام مرتبط بجهات نافذة؟

  • إلى أي حد يمكن أن تؤثر كلمات قوية ومواقف معلنة على المشهد السياسي إذا لم تُقترن بخطط ملموسة أو تحالفات استراتيجية؟

  • هل سيظل الانتصار ممكنًا على المستوى الرمزي فقط، أم أن البيئة الحالية تجعل أي تأثير عملي شبه مستحيل؟

  • وكيف يمكن للمعارضة أن تجد مسارات بديلة لممارسة الرقابة والمساءلة في ظل هيمنة الأغلبية والبيئة الإعلامية؟

المعلن والمسّكوت عنه: قراءة متوازنة

ما أعلن عنه أوزين واضح من ناحية نبرة الخطاب: تعزيز دور المؤسسات، رفض التهميش الظرفي للمعارضة، وحث السلطة التشريعية على ممارسة الرقابة والمساءلة.
لكن المسكوت عنه—وهو جوهري في التحليل السياسي—يتمثل في البيئة الإعلامية والمؤسساتية التي يتم فيها تداول الرسائل السياسية، حيث يتحالف النقد المبرر مع مخاوف من تصاعد مناخات ذات طابع إساءاتي أو تهجم غير مهني على شخصيات سياسية، وهو ما يثير بدوره تساؤلات حول حدود حرية التعبير والمؤسسات الرقابية في المجتمع المغربي.

سياسات ومآلات محتملة

الخطاب السياسي الذي يدعو إلى مقاومة الصمت مقابل الفساد يقترح ــ بطريق ضمني ــ أن آليات المساءلة الرسمية (مثل لجان البرلمان، المؤسسات الرقابية، الصحافة المهنية) هي الأقدر على تطوير نقاش مدني راشد. وفي الوقت نفسه يُبرز الخلاف الراهن بين بعض البرلمانيين والمواقع الإخبارية سؤالاً أعمق حول تكامل الأدوار بين الإعلام الحر والمؤسسات المنتخبة، خاصة حين يتحول الأول إلى منبر يتجاوز حدود المهنية، أو حين تقلص الثانية من قدرتها على ممارسة الرقابة.

خلاصة تحليلية

تصريح محمد أوزين الأخير لا يمكن اختزاله في مجرد انتقاد شعبي أو تهكم سياسي؛ بل هو إعادة تأكيد على مسؤولية المعارضة داخل الأطر الدستورية، وفي مواجهة بيئة إعلامية وسياسية معقدة. الخطاب يُظهر بوضوح أن الخلافات الراهنة تتجاوز سماع صوت المعارضين وحده، لتشمل مسائل أعمق تتعلق بأدوار المؤسسات، حدود حرية التعبير، وتأثير الإعلام على المناخ السياسي.
وفي هذا الإطار، تبقى مقولة “الصمت أكبر راعٍ للفساد” دعوة لفهم أن المساءلة الحقيقية تبدأ من داخل المؤسسات، ولكن لا بد لها من بيئة إعلامية نزيهة ومحايدة تمكّنها من الاضطلاع بدورها الفعلي.