الصين ترفض “التنمر الاقتصادي” الأمريكي.. هل تشتعل حرب تجارية جديدة؟

0
96

في ظل توترات جيوسياسية متصاعدة، فتحت الولايات المتحدة جولة جديدة من النزاع التجاري عبر فرض رسوم جمركية جديدة طالت جميع شركائها، وفي مقدمتهم الصين. هذا القرار لم يمر مرور الكرام؛ فبكين، التي لم تعد تقبل بسياسة “الضغط الأقصى”، ردّت بقوة غير معهودة، ووصفت هذه الإجراءات بأنها “خرق صارخ لقواعد منظمة التجارة العالمية، وضربة للاستقرار الاقتصادي العالمي”.

لكن، هل ما نشهده اليوم هو مجرد “نزاع جمركي”؟ أم أنه إعادة رسم لخارطة القوى الاقتصادية على أنقاض النظام التجاري العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية؟

تصعيد أم سياسة مبيتة؟

البيان الصيني الصادر بتاريخ 5 أبريل 2025، جاء بلغة مباشرة وغير دبلوماسية، معتبرًا أن واشنطن تستخدم الرسوم الجمركية كسلاح لفرض الهيمنة، وتغليب مصالحها القومية على حساب مصالح المجتمع الدولي.

لكن السؤال المطروح هنا: هل تتحرك الولايات المتحدة بدافع الخوف من الصعود الصيني المتزايد؟ أم أن الأمر أعمق، ويتعلق بمراجعة شاملة لدورها في الاقتصاد العالمي؟

في السنوات الأخيرة، عززت الصين حضورها كمحور اقتصادي عالمي بديل. تجاوز ناتجها القومي الإجمالي 130 تريليون يوان عام 2024، وسجل نموًا بنسبة 5% رغم التباطؤ الاقتصادي العالمي. وهو ما يجعلها اليوم، ليس فقط ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بل أيضًا لاعبًا أساسياً في ضمان استقرار التجارة العالمية.

من الدفاع إلى الهجوم: الصين تتجاوز “دبلوماسية الرد”

جاء في البيان أن “الصين لا تثير المتاعب، لكنها لا تخشاها”، في رسالة واضحة مفادها أن بكين لن تظل مكتوفة الأيدي أمام التصعيد الأمريكي. فالرد الصيني لم يقتصر على التنديد، بل تضمّن تأكيدًا على اتخاذ “إجراءات حازمة” لحماية سيادتها ومصالحها الاقتصادية.

لكن ما نوع هذه الإجراءات؟ هل ستلجأ بكين إلى تصعيد مماثل عبر فرض رسوم انتقامية؟ أم ستعمد إلى استعمال أوراقها الأخرى، مثل تحجيم تصدير المعادن النادرة أو تسريع التحول نحو الاقتصاد الداخلي؟

من منظمة التجارة العالمية إلى شبح التفكك العالمي

منظمة التجارة العالمية، التي طالما كانت مظلة لتسوية النزاعات التجارية، تبدو اليوم عاجزة أمام هذه التوترات المتصاعدة. يشير البيان إلى أن واشنطن تتصرف بشكل “أحادي”، ما يقوض ليس فقط قواعد المنظمة، بل أيضًا فكرة التعددية الاقتصادية ككل.

هل نحن أمام بداية تفكك النظام التجاري المتعدد الأطراف؟
وهل هناك بديل حقيقي لهذا النظام؟ أم أن البديل هو الفوضى الاقتصادية على نطاق عالمي؟

“أمريكا أولاً”… في مواجهة العولمة

السياسة الأمريكية الحالية تستند إلى مبدأ “أمريكا أولاً”، لكن البيان الصيني يرى في ذلك محاولة لفرض “الاستثناء الأمريكي” على النظام العالمي، مع تلميحات إلى أن هذا السلوك يعيدنا إلى منطق “القوة فوق القانون”.

في المقابل، تعرض الصين نفسها كمدافع عن العولمة الاقتصادية والانفتاح، مؤكدة أن التعاون والكسب المشترك هما السبيل الوحيد لتقدم البشرية. وبينما تسعى واشنطن إلى تقليص الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية، تعمل بكين على تعميق شراكاتها مع دول الجنوب وتوسيع حضورها عبر “مبادرة الحزام والطريق”.

من الخسارة المشتركة إلى منطق “اللعب الصفري”

الحروب التجارية لا رابح فيها، وهو ما يعترف به الاقتصاديون في الشرق والغرب. لكن يبدو أن اللعبة الصفرية التي تمارسها واشنطن اليوم تتجاوز الحسابات الاقتصادية إلى أهداف سياسية أعمق.

هل تحاول واشنطن كبح الصعود الصيني حتى لو كلّفها ذلك تقويض النظام العالمي الذي ساعدت هي ذاتها على بنائه؟

وفي ظل تحولات دولية كبرى — من الحرب في أوكرانيا، إلى اضطراب أسواق الطاقة، إلى صعود التكتلات الجديدة مثل “بريكس+” — تبدو هذه السياسات الأمريكية أكثر تصادمية من أي وقت مضى.

في الختام: من يحتضن المستقبل؟

البيان الصيني يُنهي برسالة رمزية بليغة: “إطفاء أنوار الآخرين لن يجعل أنوارك أكثر سطوعاً”. ربما في هذا السطر يكمن لبّ المعركة الحالية: صراع بين من يريد بناء نظام عالمي قائم على الشراكة، ومن يصر على الهيمنة والقطبية الواحدة.

لكن التاريخ، كما تقول الصين، لا يعود إلى الوراء. والعالم، الذي يئن تحت وطأة الأزمات المتشابكة، قد لا يتحمل صدامًا آخر بين الكبار.