لقد اعتاد الشعب المغرب عندما يزعر رشيد الطالبي العلمي الوزير السابق على وسائل الإعلام الوطنية ومواقع التواصل الاجتماعي، أن يكون الأمر مرتبطا بشيء من اثنين، إما أن الرجل يسعى وراء منصب وزاري جديد، أو متورط في قضية تتعلق بتبذير المال العام، والاحتمال الأول تحديدا هو الذي أعاد القيادي في حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الواجهة بقوة منذ إعفائه عن الحكومة في أكتوبر من العام الماضي.
الرباط – قال رشيد الطالبي العلمي القيادي في حزب “التجمع الوطني للأحرار”، إنه لم يفهم كيف تأتي الأغلبية بمشروع قانون، وبعدها يصوت الحزب المسير للائتلاف الحكومي ضده، مشيرا أن هذه ممارسة سياسية جديدة.
وأكد العلمي في ندوة نظمتها “مؤسسة الفقيه التطواني” الخميس، أن الحزب الأغلبي مسؤول على تدبير الأغلبية ويجب أن يحرص عليها حتى تبقى لآخر يوم في حياة الحكومة، مؤكدا في نفس الوقت أنه لم يفهم كيف يمكن تقديم ملتمس رقابة لإسقاط الحكومة علما أنه لم يبقى من عمرها سوى ثلاثة أشهر.
وعبر الطالبي عن شكره للوزير المنتدب في الداخلية، الذي أكد أن الوزارة لم تسجل قيام أي هيئة حزبية بالإحسان العمومي، مبرزا في ذات الوقت أنه “لا يمكن تغطية الشمس بالغربال” فهناك جمعيات تقوم بالعمل الإحساني، من أحزاب مختلفة، من بينها “التقدم والاشتراكية” و “الاستقلال”، و”التجمع الوطني للأحرار”، و”العدالة والتنمية”.
وأضاف ” كل الأحزاب لديها جمعيات، ولا يوجد أي مسؤول ليست لديه جمعية، وكلنا نقوم بالعمل الإحساني وليست هذه أول مرة، وإذا اتفقت جميع الأحزاب على إلغاء هذا العمل ليس لدينا أي مشكل”.
وأوضح أن 30 في المائة من الدعم الموجه للجمعيات، ذهب لحزب واحد، بمبلغ إجمالي فات 35 مليون درهم ولا أحد تحدث عن ذلك، مستغربا الهجوم المستمر على “الأحرار” في هذا الشأن.
وأبرز أن النموذح التنموي الجديد يتقاطع مع برنامج حزب “التجمع الوطني للأحرار”، مشيرا أن الحزب ركز فيه على الإنسان وليس على البنية التحتية.
ولم يفوت العلمي انتقاد تقرير لجنة النموذج التنموي، متساءلا عن السر وراء التركيز على بعض العبارات التي جاءت في التقرير مثل ” لا شيء ننتظره من القادة السياسيين”.
وشدد على أن ورود العبارة السالفة الذكر في تقرير اللجنة له خلفية سياسية وفيه تبخيس للعمل السياسي، مضيفا “هل هذا يعني أن لا أحد من السياسيين يستحق مثلا أن يكون رئيس حكومة؟”، مضيفا ” هذا يعني أننا مصالحينش وإلا كان هكذا نمشيو في حالنا معنداش عقدة”.
وفي هذا السياق، أكد العلمي أن هناك صراعا أبديا بين السياسيين والتكنوقراط منذ بداية نشأة الديمقراطية، لكن على مستوى الواقع ما هو جحم المناصب التي يتولاها السياسيون علما أنهم هم الوحيدون الذين يحاسبون.
وأوضح أن هناك عبارات استفزازية وردت في تقرير لجنة النموذج التنموي، فجميع الهيئات السياسية تقوم بمجهود والنموذج التنموي تصور أعطى توجهات عامة وليس إجرائي، وحصرها فيما هو تنموي فقط.
وكشف تقارير رسمية بدأت القصة عندما كشفت البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (داخل الحكومة)، ابتسام مراس، عن خلاصات تقرير المفتشية العامة للمالية (مؤسسة للرقابة) الذي بيّن اختلالات في تدبير شؤون وزارة الشباب والرياضة في عهد العلمي.
رشيد الطالبي العلمي، عضو المكتب السياسي للحزب، وصف اتهامه بصرف 250 مليون سنتيم (ما يقارب 250 ألف دولار) على موقع إلكتروني بـ”الكلام الفارغ الذي لا أساس له من الصحة”، واعتبر في حوار صحفي، أنه “كلام غير دقيق مبني على تقرير غير موجود للمفتشية العامة للمالية”.
وزير الشباب والرياضة الأسبق ذهب إلى حد القول: إن وثيقة المؤسسة الرسمية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية طالها التزوير، وأفاد بأنه سيلجأ للقضاء لأخذ حقه ممن شوهوا سمعته.
شدد الوزير السابق على أن الأمر لا يتعلق بموقع إلكتروني، بل بمنصة تحتوي على منظومة متكاملة، تتوفر عليها معطيات 4300 جمعية على الصعيد الوطني، بما يفوق 20 ألف وثيقة، و250 ألف مستفيد، و400 شخص له الحق في ولوج هذه المنصة.
لكن تبرير العلمي لم يعفه من هجوم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تداولوا الخبر على نطاق واسع. لكن فضيحة الموقع الإلكتروني ليست الوحيدة، فقد ارتبط اسم العلمي بفضائح أخرى سابقة، جعلت اسمه يطفو على السطح بين الحين والآخر.
على خلفية دعوته تشكيل لجنة لتقصي الحقائق هاجم العلمي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، معبرا عن أسفه لما أسماه “المستوى الذي وصل له الحزب بقيادة وهبي، في الوقت الذي كان يستحق فيه، زعيما في مستواه ومستوى فريقه البرلماني”.
رأي العلمي في وهبي لا يقره كثيرون رأوا في تعيين الأخير أمينا عاما لحزب الأصالة في فبراير/ شباط 2020، بأنه “يشكل تحولا، لأنه الوحيد الذي قدم نقدا ذاتيا جريئا لمسلك حزبه، ونادى بتغيير المسار، حيث دعا إلى القطع مع حزب الدولة وحزب التعليمات، وإلى التخلي عن أيديولوجيا العداء للإسلاميين، التي قام عليها الحزب منذ تأسيسه في 2008”.
في يناير/ كانون الثاني 2019، خلق العلمي أزمة مع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، عندما صرح بأنه “سيخرب البلاد”، وفي سبتمبر/ أيلول 2019، هاجمه أيضا، معتبرا أنه يقلد نظيره التركي، ليرد عليه الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة السابق، عبد الإله بن كيران قائلا: “ذلك الإنسان الوضيع ليس له مصداقية ولن ينتبه له أحد”.
تصريحات الطالبي خلقت أزمة للحزب الذي سارع إلى حذف كلمته من موقعه الرسمي على الإنترنت وكذا قناته على موقع “يوتيوب”، وهو ما قالت عنه إحدى الصحف المغربية: “اعتراف ضمني بخروج الوزير عن النص وعدم مراعاته لصفته الحكومية”.
“لاتتوالد الحكومات كما تتوالد الأجناس”، جملة قالها العلمي عندما كان رئيسا لمجلس النواب (البرلمان)، ونشرتها الصفحة الرسمية للحزب على “فيسبوك”، في يناير/ كانون الثاني 2017، وتحولت إلى موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
عدد من الناشطين شبه جملة العلمي السريالية بـ”خطابات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وسفسطاته التي كان يطلقها في كل خطاب يريد أن يتفلسف فيه”.
في 2014 فاز رشيد الطالبي العلمي برئاسة مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) لما تبقى من الولاية التشريعية (2011 – 2016)، ليثير الجدل من جديد عبر صفقة باهظة مع شركة وطنية للاتصالات.
من خلال الصفقة، مكن العلمي جميع البرلمانيين من حمل هواتف ذكية باشتراكات شهرية، وأجهزة “آيباد” وبطاقات للبنزين وليالي مبيت مجانية بفنادق الرباط من أجل التحفيز على الحضور لأشغال البرلمان.
الصفقة تكلفت 140 مليون سنتيم (ما يقارب 140 ألف دولار)، وفي 2016 فوجئ البرلمانيون المنتهية ولايتهم بانقطاع خط الاتصالات، فيما احتفظوا بالهواتف وأجهزة “الآيباد”.
في سبتمبر/ أيلول 2016، حجزت الخزينة العامة للمملكة على رواتب 10 نواب برلمانيين، بعد صدور أحكام قضائية ضدهم بخصوص تملصهم من أداء الضرائب للدولة، من بينهم رشيد الطالبي العالمي.
وأصدرت المحكمة قبل ذلك حكما في حق العلمي يقضي بأداء مبلغ مليار و300 مليون درهم لخزينة الدولة، بعدما تهرب من أداء الضرائب مدة تزيد عن 25 سنة.
المحكمة نطقت بالحكم بعد اكتشاف معمل سري لإنتاج النسيج بمدينة تطوان في ملكية الوزير السابق منذ سنة 1991، ولم يصرح العلمي بمستخدميه (عماله) الذين يبلغ عددهم حوالي 100 عامل.
رغم كشف الصحافة ملفات الفساد التي تورط فيها العلمي وثبتت بأحكام قضائية، استمر القيادي بحزب الحمامة رئيسا لمجلس النواب حتى 2017 ثم وزيرا للشباب والرياضة إلى غاية 2019.
في 2013، وحين كان رئيسا لجهة (إقليم) طنجة تطوان، خصص 14 مليون درهم – أي ما يزيد عن مليون دولار – لفائدة جمعية للأعمال الاجتماعية لموظفي مجلس الجهة (الإقليم)، والتي تضم 40 شخصا، أغلبهم يتقاضون شهريا أزيد من 20 ألف درهم (2000 دولار)، من أجل “مساعدتهم على تملك السكن”.
وبعد الضجة التي خلقها القرار بعد تسريبه لوسائل الإعلام، رفض العلمي التعليق عليه قائلا: “المغرب ليس دولة شيوعية حتى تُحاسب الجمعيات على 5 دراهم”.
وبعد إثبات كل هذه الملفات المتعلقة بالفساد الحافل بها مسار الوزير السابق، خرج الطالبي العلمي في آخر حوار له مع موقع “هسبريس” ليقول: “أتحدى إثبات اختلالات بمساري”.
ولد العلمي عام 1958 بمدينة تطوان (شمال المملكة)، تابع العلمي دراساته العليا بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، وحصل على دكتوراه في التدبير والمالية، تخصص المالية المحلية، من جامعة نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية.
ويعتبر العلمي خبيرا دوليا في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والبنوك المانحة، وأسس وأدار عدة شركات استثمارية بكل من الدار البيضاء وتطوان.
وفي عام 1992، انتخب عضوا ثم نائبا لرئيس الجماعة الحضرية “سيدي المنضري” بتطوان، وتبعا لذلك شغل عضوية المجموعة الحضرية بتطوان ورئاسة لجنة المالية والميزانية بكل من الجماعة والمجموعة.
وكان العلمي عضوا بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بولاية تطوان منذ 1992، وعضو المجلس الإقليمي بتطوان منذ 1997.