العدالة العمياء أم الانتقائية الذكية؟ هل تُفتح الأبواب أمام حصانة جديدة للفساد؟

0
56

كان المغاربة يحلمون منذ عقود بأن تضع بلادهم حدًّا لنزيف المال العام، أن تُفتح ملفات الفساد بلا قيود، وأن يكون القضاء سيفًا مسلطًا على كل من يعبث بثروات الوطن. لكن، بين حلم العدالة وواقع القوانين، يظهر أن بعض التعديلات قد تُعيد رسم قواعد اللعبة، وهذه المرة لصالح من يُفترض أنهم تحت المساءلة.

المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية ليست مجرد تعديل قانوني، بل خطوة تثير أسئلة أكثر مما تقدم إجابات: هل يُراد منها حماية المسؤولين من المحاسبة، أم ضبط مسطرة المتابعات؟ هل سيكون للنيابة العامة دور استباقي في محاربة الفساد، أم أنها ستتحول إلى مجرد جهاز انتظار للتقارير الرسمية؟

تحييد النيابة العامة.. خطوة للوراء؟

وفقًا للنص المقترح، لن يكون بمقدور النيابة العامة التحرك تلقائيًا ضد جرائم المال العام، بل عليها الانتظار حتى تحيل إليها المؤسسات الرسمية تقاريرها. هذا التغيير يثير تساؤلات جوهرية: ماذا لو لم تُفتح هذه التقارير أصلًا؟ ماذا لو كانت الانتقائية والتوازنات السياسية تتحكم في ما يُحال إلى القضاء؟

محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، يصف الأمر بأنه ضوء أخضر لإبطاء عجلة العدالة، معتبرًا أن هذا التعديل قد يجعل الملاحقات القضائية في قضايا الفساد الاستثناء بدلًا من القاعدة. فهل نحن أمام خطوة أخرى لإفراغ مسار مكافحة الفساد من مضمونه؟

بين تقييد الفوضى وحماية المتورطين

في الجهة المقابلة، يرى مؤيدو التعديل أن إخضاع تحريك المتابعات لتقارير رسمية يهدف إلى حماية المسؤولين من الاتهامات الكيدية، وتفادي تحويل القضاء إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية. لكن، هل يمكن لهذه الضمانة أن تكون مظلة لبعض المسؤولين للهروب من المحاسبة؟

يخشى معارضو المشروع أن يُفضي هذا التعديل إلى إحداث فوارق قانونية خطيرة، بحيث يصبح المواطن العادي خاضعًا للمساءلة بمجرد شبهة، بينما تتطلب مساءلة أصحاب القرار إجراءات بيروقراطية طويلة ومعقدة. فهل نحن أمام ازدواجية في العدالة، حيث يصبح التحقيق في جرائم المال العام أكثر تعقيدًا من محاكمة مواطن بسيط؟

ما التالي؟ معركة القانون أم معركة الإرادة؟

الجدل الدائر حول المادة 3 ليس مجرد نقاش قانوني، بل اختبار حقيقي لمسار الشفافية والمساءلة في المغرب. هل سيتم تمرير التعديل ليصبح حاجزًا جديدًا أمام متابعة المتورطين في الفساد؟ أم أن النقاش المفتوح سيقود إلى تعديلات تحافظ على استقلالية القضاء وتعزز دوره في حماية المال العام؟

في انتظار الحسم، يبقى السؤال الأهم: هل نحن أمام قانون لتنظيم مكافحة الفساد، أم صياغة جديدة لحمايته؟