تسبَّب مقتل مواطنين ضمن عشرات المهاجرين المغاربة، الذين أبحروا سباحة حرة بشكل جماعي منطلقين من السواحل المغربية المجاورة للمعبر “الحدودي تراخال” وسط أجواء مضطربة، بكشف مدى عمق أوحال الفقر والتهميش في المغرب للعالم أجمع، وتتمثَّل القطرة التي أفاضت كأس المعاناة ووضعت حدًّا لصبر المواطنين المغاربة بالمدن الشمالية.
تُعتبر سياسات التحول الانتقائي نحو اقتصاد السوق الرأسمالي في عهد الحكومات المغربية المتتالية، والتى تأخذ ما يلائم الطبقة الحاكمة، دون أن تأخذ بباقى عناصر نظام اقتصاد السوق الرأسمالي والتي تشكلت تحت ضغوط تاريخية من الشعوب، بالذات ما يتعلق بالحريات الديموقراطية وتداول السلطة والمساواة بين الجميع أمام القانون، وإعادة توزيع الدخل من خلال نظام ضريبي تصاعدي، ونظام فعال للدعم، وتحسين أحوال الفقراء والعاطلين.
أفادت جماعة “العدل والإحسان” (المحظورة) من أكبر التنظيمات والحركات الإسلامية بالمغرب إن الأقاليم الشمالية للمغرب تعيش هذه الأيام على وقع مآسي وفواجع متتالية؛ حيث شهدت مدينة الفنيدق خلال هذا الأسبوع محاولات غير مسبوقة للهجرة الجماعية عن طريق السباحة نحو مدينة سبتة المحتلة في وضح النهار، وأمام أنظار العالم.
وأشارت الجماعة في بيان لشبيبة الجماعة، أن محاولات الهجرة هذه تجسد هربا من جحيم الفقر والبطالة والحكرة، وتؤكد فشل المشروع التنموي بهذه الأقاليم بشكل عام، وإلى إغلاق معبر باب سبتة المحتلة بشكل خاص، ناهيك عن تجاهل السلطات لمطالب ساكنة المنطقة، وتعاملها معهم بعقلية أمنية غارقة في السلطوية.
وأوضحت أنها تابعت الاعتقالات الجائرة التي استهدفت الشباب المحتج سابقا، كما تابعت الاعتداء الوحشي والشنيع لأحد أفراد القوات المساعدة بشاطئ الفنيدق على أحد المرشحين للهجرة، وهي نماذج عاكسة لتلك السياسة.
وأكدت أن الهروب الجماعي إلى المجهول يسائل عجز الدولة عن إيجاد بدائل حقيقية لهذه الطاقات الشابة، مما يدفعها إلى خيار ركوب أمواج البحر وتعريض أرواحها للموت المحقق في سبيل البحث عن لقمة العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، كما يكشف زيف برامج الدعم المخصص للمتضررين من تداعيات إنهاء التهريب المعيشي.
وشددت على أن هذه الفواجع وسابقاتها ما هي إلا حلقة من حلقات مسلسل حزين تعيشه المنطقة عنوانها التهميش والتفقير والبطالة، محملة المسؤولية للدولة بكافة مؤسساتها في هذه الحوادث المأساوية وما آلت إليه الأوضاع بالمنطقة، جراء سياسات صم الآذان في وجه نداءات أبناء المنطقة، خاصة بعد قرار إغلاق المعبر الحدودي لسبتة المحتلة التي كانت تعتبر متنفسا اقتصاديا مهما لآلاف الأسر دون مراعاة ما يستلزمه القرار من إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية.
ودعت الجهات المعنية إلى ضرورة توفير فرص شغل لشباب المنطقة وإحداث مشاريع تنموية حقيقية؛ لاسيما وأن ما تزخر به الجهة من خيرات ومؤهلات تجعل تحقيق هذا المطلب ممكن جدا.
اتخذت العدل والإحسان لنفسها مسارا مختلفا عن باقي الحركات الإسلامية لغلبة التوجه الصوفي عليها وتبنيها خطا سياسيا معارضا رافضا للعنف.
أكدت في أهدافها ووسائلها أنها لا ترضى بهدف اجتماعي سياسي دون العدل على شريعة الله، ولا بغاية دون الإحسان. وترى أن العدل والإحسان هما أم القضايا وأبوها في الدين والدنيا، وفي الدعوة والدولة، وفي المصير السياسي والمصير الأخروي.
يهدف مشروع الجماعة -غير المعترف بها قانونيا من قبل السلطات المغربية- إلى إقامة دولة الخلافة ولا تعترف بشرعية “إمارة المؤمنين في المغرب“.
تتخذ الجماعة في سبيل تحقيق أهدافها وفق رؤيتها، أولا: إيجاد الكيان الجماعي المنظم المنوط به القيام بعملية التغيير. ثانيا: الفهم الشمولي للإسلام وفق اتجاه تربوي سياسي واضح، يشمل الدعوة والدولة. ثالثا: التربية المتكاملة الشاملة العميقة. ورابعا: ترتكز ممارسة الجماعة على مرجعية فكرية وبناء نظري وفق المنهاج النبوي.
كما نظم أنصار الجماعة وقفات احتجاجية في عدة مدن مغربية، تلتها وقفات عام 2001، ونزل أنصارها بقوة في مسيرات تضامنية مع انتفاضة الأقصى في فلسطين وضد الحرب الأميركية على أفغانستان، وفي التضامن مع غزة.
مع اندلاع تظاهرات وثورات الربيع العربي، وخاصة تونس ومصر منذ مطلع 2011، دعت الجماعة أنصارها للتظاهر للمطالبة بالإصلاح والتغيير من خلال حركة 20 فبراير، إلا أن اختلافها مع المكونات السياسية للحركة المذكورة في بعض الشعارات والوجهة، جعلها تنسحب في ديسمبر/كانون الأول 2011.
توفي مؤسس الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين في 13 ديسمبر/كانون الأول 2012 بإحدى مصحات الرباط، وخلفه محمد بن عبد السلام عبادي، وقرر مجلس شورى الجماعة (أعلى هيئة تقريرية بالجماعة) تسمية عبادي الأمين العام للجماعة والاحتفاظ بلقب المرشد العام للمؤسس عبد السلام ياسين توقيرا لذكراه.
وبعد وفاة مؤسسها وزعيمها استمرت الجماعة مؤثرة في المشهد السياسي والحركي المغربي، متبنية نهجها الرافض لتغيير العلاقة مع النظام الملكي.
في المقابل، واصل النظام المغربي سياسة تضييق الخناق على الجماعة، واصفا إياها “بالجماعة المحظورة”، حيث حركت النيابة العامة عدة قضايا ضد أعضائها بتهمة الانتماء إلى “جماعة غير قانونية”، حيث اعتقلت خلال العقود الماضية الآلاف منهم، وتعرض عدد من قيادات الجماعة لمحاكمات بتهمة الإساءة إلى الدولة المغربية.
وفي فبراير/شباط 2017، تفجر ملف آخر بين النظام والجماعة، حيث تمت إقالة وإعفاء العشرات من أعضائها من وظائفهم بوزارات مختلفة، في مقدمتها وزارة التعليم، دون توجيه تهم واضحة.
ورأت العدل والإحسان أن تلك الإعفاءات “حملة مخابراتية موغلة في التخلف”، مبرزة أن النظام جرب -على امتداد أربعة عقود- كل ألوان وأصناف التنكيل بالجماعة؛ من القتل، والتعذيب، والعنف بلا حدود، والمحاكمات، والسجون لمدد طويلة، والتضييق على الأرزاق، والتشويه بأخس صوره وأشدها مكرا”.
وأكدت أن تلك الممارسات “لن تستفز الجماعة (…) ولسنا في ضيعة أحد”.
والعدل والإحسان تؤكد أنها جمعية قانونية تشتغل وفق القانون المغربي، حيث سبق لها أن قامت بإتمام إجراءاتها القانونية التأسيسية بتاريخ 26 أبريل/نيسان 1983، وحصلت على إشهاد مسلم من طرف النيابة العامة بالرباط رقم 48/83.
وتورد الجماعة عدة أحكام قضائية صدرت لصالحها، وتثبت أنها جماعة قانونية وغير محظورة، وتورد أمثلة على ذلك، منها حكم محكمة الاستئناف بمدينة القنيطرة بتاريخ 24 أبريل/نيسان 1990، ومحكمة الاستئناف بأغادير عام 2003.