بقلم: الحسان القاضي
رئيس مكتب المرصد المغربي للدفاع عن حقوق الإنسان و الحريات- طاطا-
يعتبر العنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية غير صحية، و هي منتشرة في كل المجتمعات الإنسانية دو استثناء، إن لم نقل انها رافقت الإنسان في حياته منذ الأزل إلى اليوم، و ما يهمنا نحن في دول الوطن العربي هو تجليات هذه الظاهرة في مجتمعنا باعتبار تقاليدنا و عاداتنا، و باعتبار أيضا ديننا و طبيعة مجتمعاتنا المحافظة.
ومن المؤكد أن التعاليم الدينية دفعت بالمجتمعات العربية المحافظة بطبعها إلى حد المبالغة في تقاليدها و عاداتها الموروثة؛ فالمرأة في نظر هذه المجتمعات تعتبر عرضا يجب صونه و المحافظة عليه، بل و الدود عنه ، و هذه شيمة طيبة قل نظيرها في المجتمعات الاخرى، خاصة المجتمعات الغربية، إلا أن هذا لا يعني أن المجتمع العربي يقدس المرأة و لا يسيء إليها سواء ماديا أو معنويا، فرغم وجود ترسانة من التشريعات و التنبيهات الدينية الإسلامية التي تحث على احترام المرأة و ايفائها حقوقها كاملة دون نقصان، باعتبار القاعدة الفقهية النساء شقائق الرجال في الحقوق، رغم هذا كله فإننا نسجل، و بأسف شديد ، مظاهر شاذة في تعنيف المرأة في بعض البلدان العربية، يمكن تعداد بعضا من تجلياتها المثيرة في ظواهر شتى كالختان و الحرمان من الإرث، و ظاهرة استباحة دمها فيما يسمى بجرائم الشرف، و حرمانها من يعض حقوقها المدنية العادية كالولوج إلى بعض الوظائف العمومية كالقضاء في بعض البلدان و مناصب أخرى لا زالت حكرا ذكوريا، بل هناك من يمنع حتى حقها في الحصول على رخصة السياقة، دون اغفال زواج الغصب، و غير ذلك من الانتهاكات كحرمانها من حقوق الحضانة في حالة الطلاق، و عدم ايفائها واجباتها العينية المنصوص عليها دينيا قبل النص الوضعي، اما التمييز في العمل فما يزال قائما، بل إن العنف الزوجي ليعد اكثر هذه الظواهر شدة و قسوة، و هو ما تعكسه النسب المهولة لحالات الطلاق المعروضة امام محاكم الأوطان العربية، خاصة طلاق الشقاق الذي أصبح ظاهرة تؤرق القلب، و قد تجد الأسباب وراء هذا هو العنف الممارس في البيوت ضد رباتها، ناهيك عما تتعرض له المرأة في الشارع من عنف لفظي و مادي من قبل بعض ناقصي الخلق و عديمي التربية و الضمير.
و كل هذه مظاهر سيئة مخالفة لتعاليم الدين و الأخلاق الأصيلة، و هنا نتساءل عن ماهية الحلول المقترحة لمعالجة هذا الخلل في القيم المجتمعية العربية، خاصة وأن المرأة هي نصف المجتمع؟، كما نتساءل عن دور هذا الكم الهائل من المؤسسات الحكومية و هيئات المجتمع المدني في التصدي لهذه الظواهر؟ و ما دور البرامج التعليمية في الوطن العربي لتقييم أخلاق المجتمع و توعيته بالدور الهام للمرأة في إعداد اجياله؟؟؟
إن هذه الإحاطة تدفع بنا الى التفكير في تصور المظهر المستقبلي الذي سوف تتخذه الأوضاع الجديدة لمجتمعات بعض الأقطار العربية التي تعيش على وقع تغييرات يمكن أن نسميها – ثورة على التقاليد و القوانين الدينية – في إطار ما يسمى بتجديد منظومة مدونة الأسرة، او ما يطلق عليه بقانون الأحوال الشخصية ، و ذلك باستحداث قوانين جديدة على النمط الغربي تلغي الولاية في الزواج، و تلغي نصوص الإرث المتوارثة، حيث تساوي بين الذكر و الأنثى، و تعطي الحق للمرأة بتزوج نفسها إلى غير ذلك من النصوص الجديدة.
و في الجهة المقابلة نلاحظ أن بعض السمات العادات و التقاليد المجتمعية القديمة في بلدان الشرق الأوسط و شمال افريقيا ، التي لا زالت باقية واشمة تلك المجتمعات باثارها السلبية على مجال حقوق المرأة و منها على سبيل المثال و ليس للحصر :
-
جرائم الشرف عنف ضد المرأة و هو من التقاليد.
-
الزواج بالغصب من التقاليد و هذا يصنف عنفا ضد المرأة.
-
الحرمان من الإرث، من التقاليد الموروثة قبل الإسلام، تم استنساخه في قالب ديني يسمى الوقف أو الحبس حسب تسمية كل قطر، حيث يعمد إلى وقف التركة و جعلها غير قابلة للتجزئة ، يستغلها الأبناء الذكور جيلا بعد جيل، و هو أيضا شكل من أشكال أقصاء المرأة من حقوقها الشرعية، و يعتبر مسكوتا عنه باعتباره متشكلا في اطار ديني.
-
ختان الفتيات و نجده في بعض المجتمعات العربية الشرق أوسطية، و هو من التقاليد البالية المرصعة بالنص الديني و هذا يصنف عنفا شادا ضد المرأة.
-
التعدد في الزوجات دون موافقة الزوجة الأولى، و دون توفر الشروط اللازمة لأحقا ق العدالة الزوجية المنصوص عليها شرعا، و هذا يمكن اعتباره عنفا معنويا ضد المرأة و كرامتها في بعض المجتمعات العربية، و هو من التقاليد المعززة بنص ديني، الذي يواجه بصد عنيف من قبل بعض علماء الدين في حالة التنديد به أو استنكاره.
إن هذه المقاربة تقودنا للتساؤل عما إن كانت تقاليدنا و ديننا قهرا للمرأة و سلبا لحقوقها؟ أم أنها صون لها و حماية باعتبارها عرضا و شرفا؟
فبالدليل الملموس لدينا وثيقة قديمة من أرشيف العائلة، تعود لقرون مضت، و هي عبارة عن اعتراف بدين من قبل زوج لزوجته مشروط بالتزامه بطرق الأداء، و أشهد عليه شاهدين رغم كونهما زوجين يعيشان تحت سقف واحد إلا أنهما عملا بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، ليأتي باحث غربي، او غيره ممن يطلقون على أنفسهم بالحداثيين، ويقولوا إن العرب اهانوا نساءهم بقوة العنف و الاستبداد، و هنا نتساءل هل من حرية المرأة الزج بها في اسلاك الوظائف و الخدمات التي تتطلب المجهود العضلي والفكري معا في هذه المجتمعات العربية المحافظة بطبعها و بتقاليدها و طبيعة دينها؟
و بالمقاربة بين بلدي المغرب و دول العرب و افريقيا، نجد أن المملكة المغربية قطعت أشواطا مهمة جدا في مجال حقوق المرأة و الطفل، حققت بها نتائج مبهرة في هذا المجال مقارنة مع باقي بلدان العرب و أفريقيا، حيث أصبحت المرأة و الطفل من صلب اهتمامات الدوائر الرسمية، و كذا جمعيات المجتمع المدني، فاستطاعت المرأة المغربية أن تتبوأ مراكز القرار و المسؤولية في جميع القطاعات دون استثناء، بل إن الدولة عملت على خلق خلايا مناهضة العنف ضد المرأة في المحاكم و مراكز الشرطة و الدرك الملكي في كل اصقاع الوطن، و انخرطت المملكة في الحوار العالمي الذي يهم النهوض بأوضاع المرة و الطفل بكل قوة و فعالية، غايتها هي صيانة حقوق المرأة و الطفل، بجدية و مسؤولية و التزام دولي بكل البروتوكولات و الاتفاقيات الدولية المعمول بها في هذا المجال.
و قد سنت المملكة قوانين صارمة لمحاربة العنف ضد المرأة و الطفل، حتى داخل الأسرة، مما يعني أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية جنائية تضاهي القوانين الجنائية الغربية، حيث أصبحت المرأة و الطفل محميين ضد العنف بكل اشكاله بقوة القانون من قبل المؤسسة الجنائية المغربية.
وقد شكل القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ثورة في الترسانة القانونية المغربية، حيث أتاح للمملكة المغربية إطارا قانونيا شاملا خاصا بمحاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة.
ويهدف هذا القانون، الذي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018 إلى توفير الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف، من خلال أربعة أبعاد، تهدف إلى ضمان الوقاية والحماية وعدم الإفلات من العقاب والتكفل الجيد بالضحايا.
ويمكن تلخيص حصيلته المرحلية في صدور مجموعة من الأحكام القضائية الصادرة في قضايا العنف ضد النساء تعاقب على العنف النفسي، وتجمع بين أكثر من تدبير للحماية، كمنع المحكوم عليه في قضية عنف زوجي من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان وجودها أو التواصل معها بأي وسيلة لمدة سنة من تاريخ تبليغه هذا القرار والحكم عليه بالخضوع خلال مدة سنة لعلاج نفسي ملائم.
وتواكب وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة تنفيذ مقتضيات هذا القانون ومرسومه التطبيقي رقم 2.18.856، الذي يتضمن مقتضيات تنظيمية تخص آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، وذلك في سياق تعزيز الإطار التشريعي لتحديد شروط تقديم خدمات التكفل بالنساء ضحايا العنف. إذ مكن هذا المرسوم من إحداث:
اللجنة الوطنية للتكفل بالنساء ضحايا العنف التي تضطلع بصلاحيات هامة مسندة إليها بموجب القانون، خاصة على مستوى ضمان التواصل والتنسيق بين مختلف التدخلات لمواجهة العنف ضد النساء والمساهمة في وضع آليات لتحسين وتطوير منظومة التكفل بالنساء ضحايا العنف.
اللجن الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف؛
اللجن المحلية للتكفل بالنساء ضحايا العنف؛
الخلايا المركزية وغير المركزية للتكفل بالنساء ضحايا العنف على مستوى المحاكم وكذا القطاعات المكلفة بالعدل والصحة والشباب والمرأة والمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي. (1).
و تفعيلا لدور المؤسسة القضائية في توفير العناية والاهتمام اللازمين لضمان الحماية القضائية للنساء ضحايا العنف والأطفال على اختلاف أوضاعهم، وزجر كل أنواع الإساءة التي يمكن أن تقع هذه الفئة ضحية لها .تم إحداث خلايا للتكفل بالنساء والأطفال بجميع محاكم المملكة، ويتمثل الهدف الأساسي من إحداث هذه الآلية في الرقي بالعمل القضائي في مجال توفير الحماية للنساء والأطفال وتيسير ولوجهم للقضاء وتوفير المخاطب المتخصص في قضاياهم بما في ذلك ضحايا الاتجار بالبشر وإعطاء تدخله البعد الإنساني والاجتماعي الملائم لأوضاعهم من جهة، وتعزيز سبل التعاون والتنسيق من جهة أخرى مع باقي القطاعات الحكومية المعنية بالتنمية الاجتماعية والصحة والشباب والرياضة والتربية الوطنية والأمن الوطني والدرك الملكي وغيرها من القطاعات الحكومية ذات الصلة بالموضوع وكذا فعاليات المجتمع المدني.
ولبلوغ هذه الأهداف ينبني تتبع عمل خلايا التكفل بالنساء والأطفال على خطة عمل مجسدة في المحاور التالية:
-
تهيئة فضاءات خاصة بالاستقبال بالمحاكم، وتعزيزها بالوسائل التقنية الضرورية للعمل وبموارد بشرية مؤهلة للتعامل مع هذه الفئة وخصوصا المساعدات الاجتماعيات.
-
الحرص على احترام قواعد ومعايير نوعية موحدة تخص الخدمات التي تقدمها الخلايا، وإنشاء آليات للمراقبة والتتبع لضمان جودة هذه الخدمات تقييمها.
-
إشراك قضاة الحكم وقضاة التحقيق بالمحاكم ممن لهم إلمام واهتمام خاص بحقوق المرأة والطفل والتنسيق والتواصل الدائم معهم.
-
تحقيق التكامل في مهام وقدرات المتدخلين الرئيسيين في مجال التكفل بالنساء والأطفال ومكافحة الاتجار في البشر من خلال آليات ناجعة للتنسيق لدعم جهود الخلايا بالمحاكم من طرف متدخلين آخرين كالمصالح الطبية ومصالح الشرطة والدرك الملكي ومراكز الاستماع والإيواء من أجل ضمان تكفل ناجع بالضحايا، حيث تم أجرأة ذلك بواسطة لجان للتنسيق جهويا ومحليا.
-
تطوير المعلومات حول قضايا الطفل والمرأة والاتجار بالبشر وتحليلها منا أجل توظيفها لتجويد التكفل القضائي للفئات المستهدفة.
-
عدد خلايا التكفل بالنساء والأطفال: 88 خلية بجميع المحاكم الابتدائية والاستئنافية.
-
مقر الخلايا: النيابة. (2) .
و لعل ما يثير الانتباه في هذا النقاش هو ذهاب البعض إلى حد التقوقع في زاوية التحيز دون الانفتاح على الرأي الآخر، في اطار مفهوم مبدأ الاجتهاد في النصوص الذي هو سنة هذا الدين الحنيف المفتوح لأهل الاختصاص من فقاء القانون و علماء الدين.
و من هذا المنطلق، و ردا على من يقول: إن النص الديني شامل و كامل يقضى به في كل زمان و مكان، نقول و بكل ثقة و صدق: إن القوانين الإسلامية لم تعد لوحدها كافية لسد الثغرات و الفجوات القانونية لمعالجة النوازل المستجدة أمام القضاء، بفعل هذا التطور السريع الذي يشهده العالم في كل المجالات بما فيه المجال المجتمعي و الأسري، و هذا لا يعني إنكارا لمكانة النص الديني كمرجعية اساسية معتمدة تستمد منها القوانين الوضعية ليتم تكييفها مع المستجدات الحالية.
فأحكام الإسلام مقيدة بزمانها و حوادث نوازلها بأسبابها و عللها، أما اليوم فالحوادث و النوازل متغيرة، و الزمان غير الزمان، و بالتالي فليس من المنطق الحكم بحكم حكم نازلة حدثت منذ ما يزيد من أربعة قرون مضت، لنأتي نحن و نكيفه على هوانا على نازلة حديثة وقعت امس، و بطرق جديدة و بتقنية تطبيقية حديثة، فالتشريع متروك لأهل الاختصاص من فقاء القانون و علماء الدين ممن اوتوا القدرة على تكييف النص الدني بالواقع المعاش، بقوة الدليل و الحجة، و ليس بالنقل و الإتباع و العصبية.
ختاما نقول و نؤكد أن المرأة انسان قبل كل شيء، فهي النصف الثاني للرجل، بدليل قوله تعالى :(( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) سورة الروم اية 21 ، فكيف يعقل ان يستعبدها هذا المجتمع المتخلف، و يغتصب حقوقها و يجعل الترخيص لأمورها كلها بيد الرجل، بل و يجعلها دون الرجل في الحقوق و الواجبات ، فالمرأة تبقى بنص القاعدة الفقهية شقيقة الرجل في الحقوق و الواجبات، و لكن العقل العربي لا ينظر للمرأة إلا بعين الشهوة و الإنجاب، أو بعين الدونية و الاحتقار، أو بعين الاستعلاء باعتبار الرجل دوما و ابدا القائم عليها.
——————
- موقع وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة https://social.gov.ma/
- موقع وزارة العدل المغربية
- – موقع رئاسة النيابة العامة – https://www.pmp.ma