اعتبر، المحامي محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، تحريك للمساطر القضائية، ضد بعض من رؤساء وأعضاء الجماعات المحلية من طرف وزارة الداخلية أمرًا مهما وإيجابيًا لا يمكن إلا التنويه به، فإنه لا يمكنه أن يحجب حقيقة تغاضي الوزارة عن تحريك تلك المساطر ضد بعض رؤساء ومستشارين جماعيين رغم التجاوزات المسجلة ضدهم.
وقال الغلوسي في تدوينة على فايسبوك، أن هذا التغاضي يبقى بعيدا عن الاحتكام للقانون ويخضع لاعتبارات سياسية وشعار “أمك في العرس”.
وأوضح أن هناك رؤساء جماعات صدرت ضدهم تقارير رسمية صادرة إما عن المجلس الأعلى للحسابات أو عن المفتشية العامة لأم الوزارات، تتضمن اختلالات جسيمة وخطيرة ومخالفات صريحة للقانون وترقى إلى مستوى الأفعال الجنائية ورغم ذلك فإن وزارة الداخلية تعمل بقاعدة “عين ميكا”.
وأكد الغلوسي أن حالة محمد مبديع رئيس جماعة الفقيه بنصالح شاهدة على ذلك، وتوضح كيف تمارس وزارة الداخلية سياسة الانتقائية في تفعيل وتطبيق القانون.
وأبرز أن القانون يكون مسلطا على رقاب البعض دون الآخرين، متسائلا هل تستطيع وزارة الداخلية أن توضح للرأي العام بكل شفافية سبب استثناء بعض الرؤساء والمستشارين من المساطر القضائية الرامية إلى عزلهم من مهامهم بسبب وفق ما ذكر في تقريرها السنوي المقدم أمام البرلمانية.
وكانت وزارة الداخلية قد كشفت في تقرير منجزها السنوي برسم 2022، عن إقالة 55 عضوا من مهامهم الانتدابية، من بينهم 18 رئيس جماعة ترابية، و30 نائبا للرئيس، و7 أعضاء في الغرف المهنية، في قضايا مرتبطة بحالات التنافي وتنازع المصالح، إلى جانب ارتكاب أفعال مخالفة للقانون والأنظمة الجاري بها العمل.
وبداية الاسبوع الجاري،كشفت السلطات المغربية عن تتبعات قضائية تجري بحق عدد من رؤساء وأعضاء مجالس البلديات المنتخبين، أمام المحاكم المالية المختصة، مشيرة إلى أن عدد القضايا المرفوعة حاليا بلغ 39 حالة، متعلقة بقضايا فساد في المجال المالي والإداري ومجال التعمير، مع إقالة 55 عضوا من مهامهم الانتدابية. يأتي ذلك في إطار تفعيل المغرب لمسار تطبيق قواعد الحكامة وتكريس مبادئ وقيم الديمقراطية والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأكدت وزارة الداخلية المغربية في تقرير لها أن كل منتخب ثبت في حقه إخلال بالمقتضيات المنصوص عليها بكيفية صريحة وواضحة، من خلال ربطه مصالح خاصة مع جماعته الترابية (البلدية)، أو هيئاتها أو يمارس أي نشاط كيفما كان ينتج عنه بصفة عامة تنازع المصالح، بصفته شخصا ذاتيا أو كعضو في الهيئات التسييرية لأشخاص معنويين (شركات أو جمعيات)، فإنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه ومن ضمنها العزل.
وبحسب التقرير، فقد تم التعامل مع شكايات المواطنين وجمعيات المجتمع المدني في ما يتعلق بالمخالفات المرتكبة في المجال المالي والإداري ومجال التعمير وربط بعض المنتخبين مصالح خاصة مع جماعاتهم البلدية.
ولفت التقرير إلى إحالة بعض هذه الشكايات على المفتشية العامة للإدارة الترابية، كما تمت إحالتها على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم المعنية لإجراء بحث في مضمونها والتأكد من صحتها موافاة هذه الوزارة بتقارير في هذا الشأن وعند الاقتضاء اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وقالت شريفة لمويير الباحثة في العلوم السياسية، بجامعة الرباط، في تصريحات لـ”العرب”، إن هذه الخطوة تندرج في سياق حرص رسمي على ربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد، مشيرة إلى أن المتابعات القضائية في حق منتخبين جماعيين جاءت بناء على تفعيل مقتضيات مواد ظلت لوقت طويل جامدة ولم تترجم على أرض الواقع.
وذكرت لمويير أن الخطوة مهمة، لاسيما وأنه لوحظ في مرحلة ما إفلات عدد من المسؤولين من العقاب إثر قيامهم بمخالفات وخروقات، دون أن يجري اتخاذ أي إجراءات بحقهم.
وسبق متابعة عدد من رؤساء البلديات بعدما كشفت المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، أن تسيير قطاع التعمير يعرف مجموعة من الاختلالات، تتعلق خصوصا بعدم احترام الضوابط القانونية، ومنها تسليم رخص بناء فوق أراض ناتجة عن تقسيم وتجزيء غير قانونيين، وتسليم رخص ربط بشبكة الكهرباء في غياب رخص السكن، أو التصريح بانتهاء الأشغال وإغلاق الورش، بالإضافة إلى منح شهادات إدارية غير قانونية من أجل بيع قطع أرضية أو تحفيظها، ناتجة عن تجزيء غير قانوني، وقيام بعض نواب الرئيس بمنح رخصة بناء رغم عدم توفرهم على تفويض في ميدان التعمير.
وقرر القضاء المغربي الاثنين اتخاذ إجراءات بحق رئيس المجلس الجماعي، لسيدي الطيبي، قرب مدينة القنيطرة، محمد كني عن حزب الاتحاد المغربي للديمقراطية، ونائبه لحسن العسقلاني عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعد ظهور مجموعة من أشرطة فيديو، تشير إلى تلقي الرئيس ونائبه لرشوة من طرف مواطن مقابل تسهيل عملية استفادته من برنامج إعادة الإيواء.
وعين الملك محمد السادس، قبل يومين، 30 قاضيا في مناصب المسؤولية بالمحاكم المالية، وفق ما جاء في بلاغ للمجلس الأعلى للحسابات، وذلك في إطار تنزيل توجيهات الملك، والتي تروم الحرص على قيام مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات بمهامها الدستورية، لاسيما في ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة.
وقالت زينب العدوي الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إن هناك إرادة قوية لتخليق الحياة العامة ومكافحة كافة أشكال أنواع الفساد وتحسين فعالية التصدي للإخلال بواجب الاستقامة والنزاهة في تدبير الشأن العام، ضمن تعاون فعال ما بين المحاكم المالية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، لاسيما المساهمة الفعلية في الحفاظ على المال العام والممتلكات العامة.
وتم تفعيل إجراءات العزل في حق كل عضو منتخب ثبت أنه تربطه مصالح خاصة مع البلدية التي ينتمي لها، بعدما قام محافظو الأقاليم والعمالات بتوجيه استفسارات إلى منتخبين تحوم حولهم شبهة ربط مصالح خاصة مع بلديات هم أعضاء فيها، وخلال السنوات الأخيرة، حيث تحول العديد من المنتخبين إلى أغنياء عن طريق السياسة، بعد استفادتهم من عدة امتيازات وصفقات.
وقالت لمويير الباحثة في العلوم السياسية إن المغرب يتبنى مقاربة صارمة لتثبيت قيم الشفافية وقيم المواطنة ما يستلزم الانخراط الفعلي الجاد لكل مكونات المجتمع المغربي، على رأسها الأغلبية الحكومية في شخص وزير الداخلية الذي له صلاحيات هامة من شأنها أن تضيق الخناق على كل المتلاعبين بالصالح العام، وتدعيم هذه الخطوة الهامة التي من شأنها أن تحمي الشأن العام وتعزز صيانة حقوق المواطنين أيضا، لأنه آن أوان المحاربة الفعلية والجادة للفساد الذي نخر الإدارة العمومية وأفقد المواطن المغربي الثقة في المؤسسات.
وأكد محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تصريح لـ”العرب”، أن بعض المنتخبين حولوا تدبير الشأن العام إلى مجال للارتزاق، ومنهم من تمرد على النصوص القانونية مستغلا ضعف آليات الرقابة وتغاضي بعض العمال عن ممارسة مسطرة العزل، وهو ما يشكل خرقا واضحا لمقتضيات القانون، جعل وزارة الداخلية باعتبارها المعنية بالحرص على تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة بتضارب المصالح، استشعارا منها لخطورة هذه الممارسة، تعمد إلى سلوك مسطرة العزل ضد كل المنتخبين الذين تربطهم مصالح خاصة بالجماعات الترابية، (البلديات).