الغلوسي: مجلس الحسابات عجز عن مراقبة “المال الانتخابي” .. هل يُصلح ما أفسده التزوير و”المال السياسي”؟

0
371

مع بدء العد التنازلي للانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية التي جرت في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، برزت اتهامات باستعمال المال لاستمالة الناخبين، فيما بدا مثيراً للانتباه التزام اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات ورئاسة النيابة العامة الصمت إزاء تلك الاتهامات.

الرباط – فى تدوينة عبر «فيسبوك» الغلوسي للمجلس الأعلى للحسابات أنه يتعين على وكلاء لوائح الترشيح والمرشحين، الملزمين بتقديم حسابات حملاتهم الانتخابية (بيان مصادر التمويل وجرد المصاريف)، إيداع هذه الحسابات لدى المجلس داخل أجل 60 يوما من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية لاقتراع 8 شتنبر. 

وفي هذا الإطار، شدّد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن تحقيق الشفافية والحكامة في مراقبة الحقل الانتخابي، خاصة في الجانب المتعلق بالتمويل، يبقى صعبا وتواجهه تعقيدات وصعوبات كثيرة، خاصة وأن العديد من الأحزاب لم تقدم حساباتها، ولا تحاسب عن تبديد الأموال التي رصدها المجلس في تقارير سابقة.

ونبه الغلوسي إلى أن المجلس الأعلى للحسابات بموارده البشرية وإمكانياته ووسائله المحدودة، غير قادر على تدقيق كل الحسابات المقدمة له، خاصة إذا استحضرنا حجم اللوائح والترشيحات الفردية والعدد الهائل من الوثائق والمستندات التي ستقدم للمجلس، وما يتطلبه ذلك من مراجعة لها والتأكد من سلامتها ومطابقتها للقوانين.

وسجل الغلوسي في هذا الصدد أن البعض قد يلجأ إلى صنع الوثائق باستعمال التدليس والتزوير، ما يجعل تحقيق الشفافية والحكامة في هذا الجانب صعبة.

ولفت المتحدث إلى تقارير المجلس الصادرة في هذا الشأن، والتي تفيد كون بعض الأحزاب السياسية لم تقدم حساباتها طبقا للقانون، وشابتها عدة عيوب ونواقص، بل إن بعضها لم يقم بإرجاع ما تبقى بذمته من أموال عمومية، دون أن تتم مساءلة مسوؤلي تلك الأحزاب عن تبديد واختلاس المال، وهو أمر قد يساهم في تزكية الانطباع بكون عملية تقديم الحسابات المتعلقة بالانتخابات للمجلس مهمة شكلية فقط.

واعتبر رئيس جمعية حماية المال العام أن حجم الإكراهات والصعوبات التي تحول دون بسط رقابة المجلس بكيفية فعالة على نفقات العملية الانتخابية، يجعل بعض المعنيين يتمتعون بحرية واسعة لتقديم الوثائق التي يرغبون في تقديمها والتصريح بالنفقات وفق هواهم وإرادتهم دون أية قيود على ذلك.

وهذا الوضع، يضيف الغلوسي، يجعل الأموال الواسعة التي قيل بأنها وزعت خلال الحملة الانتخابية خارج أية رقابة، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام استمرار استعمال المال في الانتخابات، كمظهر من مظاهر الفساد، وتعبيد الطريق للكائنات الانتخابية المنتعشة على الريع والفساد لكي تتمدد بشكل أكبر. 

ومع بدء العد التنازلي للانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية التي جرت في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، برزت اتهامات باستعمال المال لاستمالة الناخبين، فيما بدا مثيراً للانتباه التزام اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات ورئاسة النيابة العامة الصمت إزاء تلك الاتهامات.

ولم تتردد بعض الأحزاب السياسية وقياداتها في انتقاد استعمال المال في الانتخابات، موجهة أصابع الاتهام، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، الساعي إلى إزاحة الإسلاميين وقيادة الحكومة المقبلة.

ونددت الإدارة المركزية للحملة الانتخابية لـ”العدالة والتنمية”، الأربعاء الماضي، بـ”الاستعمال الفاحش للأموال في استمالة الناخبين، وكذا بعض المشرفين على مكاتب التصويت”، وتساءلت عن مصدر تلك الأموال.

وفي وقت سابق، اعتبرت الأمانة العامة للحزب الإسلامي أن هذه “الممارسات المشينة مخالفة للمقتضيات القانونية المتعلقة بتحديد سقف مصاريف الحملات الانتخابية الخاصة بكل اقتراع، والتي تخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين، وتمس بنزاهة ومصداقية العمليات الانتخابية”.

من جهته، عبّر المكتب السياسي لحزب “الأصالة والمعاصرة”، عن إدانته المطلقة لـ”استفحال ظاهرة المال البشع، وسعي طرف سياسي إلى إغراق الساحة الانتخابية بحجم رهيب من المال والإغراءات المختلفة، إما لاستمالة مرشحي حزبنا وباقي الأحزاب بشكل مباشر، أو لثنيهم عن المشاركة في العملية الانتخابية، في مسّ خطير بمبدأ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف”.

كما انتقد الأمين العام لحزب “التقدم والاشتراكية” المعارض، محمد نبيل بنعبد الله، استعمال المال في الانتخابات، لافتاً إلى أن حزبه يعول على تصويت المواطنين لمعاكسة “الاستعمال البشع للمال والفساد بشكل لم يسبق له مثيل”.

وتعليقاً على اتهامات الأحزاب السياسية لحزب “التجمع الوطني للأحرار” بتوظيف المال في انتخابات قال مصدر قيادي في الحزب، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح للصحافة، إن “تلك الاتهامات تسيء للتجربة الديمقراطية في المغرب بشكل عام، كما جميع الضمانات والآليات لضبط العملية الانتخابية”، لافتاً إلى أن “مواقف بعض الأحزاب مردها إلى شعورها بالتقدم الكبير الذي يعرفه الحزب حالياً، وإدراكها أن حظوظها الانتخابية باتت مهددة”.

وأضاف: “البلاد لها من الآليات والمؤسسات التي تتحمل مسؤولية السهر على نزاهة وسلامة العملية الانتخابية، وأخال أنها لو تبين لها أن تلك الادعاءات حقيقية لتدخلت، لكن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من البعض للإساءة للحزب وفرملة تقدمه والتأثير على حملته الانتخابية المتميزة”.

ويشكل استعمال “المال الانتخابي”، أحد أصعب التحديات التي تواجه الانتخابات البرلمانية والجهوية والمحلية المقبلة، وذلك من خلال شراء الذمم وأصوات الناخبين نقدا أو عينا.

وبحسب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، فإن استعمال المال في الانتخابات المغربية عملة تكاد تكون رائجة، غير أن التنافس من أجل احتلال المرتبة الأولى التي تكفل لمحتلها قيادة الحكومة وفقا لما ينص عليه الدستور المغربي في الفصل 47 هو الذي أضفى طابع الحدة على الجدل القائم بشأن “المال الانتخابي”. 

وبرأي أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بالكلية المتعددة التخصصات بتازة، إسماعيل حمودي، في حديث سابق، فإن خطورة استعمال ذلك المال تكمن في وجود محاولة حثيثة لما سماه الأمين العام لحزب “الأصالة والمعاصرة”، عبد اللطيف شراء الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، ما يجعل الأحزاب تتنافس على الظفر بالرتبة الأولى لقيادة الحكومة. 

وكان وهبي انتقد في لقاء انتخابي مع مرشحي حزبه بمنطقة أزيلال (وسط) الأحد الماضي، بشدة استعمال المال، وقال إن هناك من يريد “تحويل الفصل 47 من الدستور، إلى موضوع تجاري ومالي”، وهو الأمر الذي اعتبره “إهانة للدستور”. ولمح إلى أن هناك من يستعمل المال للظفر بالرتبة الأولى حتى يضمن تعيين رئيس الحكومة منه، في إشارة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار. وقال وهبي: “لقد أصبحت خائفاً على الدستور، وعلى المس بالفصل 47، وعلى الديمقراطية بالمغرب”.

وبرأي حمودي، فإنه “في حال نجاح الأحرار في مسعاهم ستكون النتيجة مدمرة للعملية السياسية والانتخابية، ما سينعكس على مشروعية الحكومة المقبلة ومنسوب أخلاقياتها السياسية”، معتبراً في حديث مع “العربي الجديد “، أن الجدل القائم حالياً يشكل تحدياً كبيراً للتجربة الديمقراطية في المغرب. 

وحصل “التجمع الوطني للأحرار” على 102 مقاعد في الانتخابات التشريعية، متبوعا بحزبي “الأصالة والمعاصرة” 86 مقعدا، و”الاستقلال” 81 مقعدا.

فيما حل حزب “العدالة والتنمية” (قائد التحالف الحكومي المنتهية ولايته) في المركز الثامن، مسجلا تراجعا كبيرا بحصوله على 13 مقعدا فقط، وذلك من أصل 395، إجمالي مقاعد البرلمان.