“الغلوسي يكشف عن التعديلات القانونية: هل تُضعف النيابة العامة وتُحصن المفسدين؟”
في تصريحات مثيرة للجدل، كشف محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عن مخاوف جدية بشأن التعديلات المقترحة على المسطرة الجنائية، والتي يُعتقد أنها تهدف إلى تعطيل آليات مكافحة الفساد.
واتهم الغلوسي وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بـ”إجهاض كل إجراءات محاربة الفساد”، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات تشكل انتكاسة خطيرة في مسار محاربة الاختلاس والرشوة والاستيلاء على المال العام.
فما هي الأبعاد الخفية لهذه التعديلات؟ وما الذي يريد الغلوسي قوله للمواطنين دون أن يصرح به صراحة؟ وهل نحن أمام محاولة منظّمة لتحصين الفاسدين من المحاسبة؟
1. التعديلات المشبوهة: إضعاف النيابة العامة وتقييد المجتمع المدني
أبرز ما كشفه الغلوسي هو المادة 3 من التعديلات المقترحة، والتي تنص على أن النيابة العامة لا يمكنها تحريك الدعوى العمومية في جرائم المال العام إلا بناءً على طلب من:
-
المجلس الأعلى للحسابات.
-
المفتشية العامة للمالية.
-
المفتشية العامة للإدارة الترابية (تابعة لوزارة الداخلية).
هذا يعني أن النيابة العامة، وهي جهاز قضائي مستقل دستوريًا، أصبحت مربوطة بإرادة جهات إدارية، مما يفقدها استقلاليتها ويجعل تحركاتها خاضعة لـ”الترخيص السياسي”. والأخطر من ذلك أن الأفراد والجمعيات لم يعودوا مخوّلين بإبلاغ النيابة عن جرائم الفساد إلا عبر هذه القنوات، مما يقتل دور المجتمع المدني في الرقابة.
أسئلة تفرض نفسها:
-
لماذا يتم تقييد النيابة العامة في جرائم المال العام تحديدًا؟
-
هل هذه التعديلات تهدف إلى حماية “لوبيات الفساد” داخل الإدارة والجماعات الترابية؟
-
كيف يمكن تبرير انتهاك مبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة” المنصوص عليه في الدستور؟
2. “حالة التلبس”.. مخرج وهمي لجرائم مخططة
يُبرر المشرع التعديلات بأن النيابة العامة يمكنها التحرك تلقائيًا في حالة التلبس، لكن الغلوسي يصف هذا المخرج بـ”الخدعة”، لأن جرائم المال العام (كالاختلاس والتبديد) لا تُرتكب في العلن، بل تتم عبر صفقات مشبوهة وتملّص قانوني. فكيف يمكن ضبط وزير أو رئيس جماعة وهو “يختلس” المال العام في حالة تلبس؟
3. انتهاك صارخ للالتزامات الدولية والدستورية
أشار الغلوسي إلى أن المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2007)، التي تلزم الدول بـ:
-
تشجيع الأفراد والجمعيات على الإبلاغ عن الفساد (المادة 13).
-
حماية المبلغين والشهود (قانون 37.10).
لكن التعديلات الجديدة تناقض هذه الالتزامات، بل وتُفرغ قانون حماية المبلغين من مضمونه، مما يطرح تساؤلات حول نوايا الحكومة:
-
هل هناك خوف من كشف فضائح كبرى؟
-
لماذا يتم إضعاف الآليات الدولية التي كان المغرب يتباهى بالامتثال لها؟
4. ما الذي لا يقوله الغلوسي صراحة؟
رغم حدّة انتقاداته، لا يشير الغلوسي إلى العوامل التي قد تكون دفعت وهبي إلى تبني هذا التوجه، مثل الضغوط السياسية أو التوازنات الداخلية. كما لا يتناول مدى قدرة السلطة القضائية، في ظل التشريعات القائمة، على مكافحة الفساد بمعزل عن التعديلات المقترحة. فهل المشكلة في النصوص القانونية أم في الإرادة السياسية لتفعيلها؟
5. مواقف الحكومة: التبرير أم التملص؟
الحكومة، من جانبها، لم تنفِ هذه التعديلات، لكنها تقدم مبررات ترى أنها “تعزز الحكامة القانونية”. فمن وجهة نظر رسمية، فإن هذه القيود تهدف إلى ضمان عدم استغلال النيابة العامة في تصفية حسابات سياسية، وهو مبرر يبدو غير مقنع بالنظر إلى آثار التعديلات على مبدأ المساءلة.
6. السيناريوهات المحتملة
إذا تم تمرير هذه التعديلات، فإننا أمام احتمالين رئيسيين:
-
تعزيز الإفلات من العقاب: ستصبح المتابعات في قضايا الفساد رهنًا بموافقة جهات إدارية، ما يحد من فعالية القضاء في حماية المال العام.
-
تفاقم أزمة الثقة: سيؤدي هذا التوجه إلى تقويض ثقة المستثمرين والمواطنين في قدرة الدولة على محاربة الفساد، مما قد ينعكس سلبًا على بيئة الأعمال والاستثمار.