الفخامة في زمن التقشف: كيف ينفق البرلمان المغربي ملايين الدراهم بينما يعاني الشعب؟

0
221

في قلب الرباط، حيث تصاغ القوانين ويُناقش مصير الملايين، يقف مجلس النواب شامخًا على شارع محمد الخامس، شاهِدًا على أزمات الوطن وتحدياته المتراكمة. ولكن خلف جدرانه، بعيدًا عن الجلسات الساخنة والأسئلة الآنية، يدور نقاش آخر أكثر هدوءًا لكنه أكثر وقعًا: كيف تُدار ميزانية المؤسسة التشريعية؟ وأين تكمن الأولويات حين يتعلق الأمر بالمال العام؟

صفقة مُترفة في زمن التقشف

بينما يرزح المغرب تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية متزايدة، ويُطلب من المواطنين شد الأحزمة والتكيف مع سياسات التقشف، يقرر رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، إطلاق صفقة كراء سيارات فاخرة بقيمة 2.4 مليون درهم (240 مليون سنتيم). صفقة تفتح باب التساؤلات حول مدى انسجام هذه النفقات مع مبدأ الحكامة الرشيدة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمؤسسة يُفترض أن تكون قدوة في ترشيد المال العام. وقد أثار هذا الموضوع موقع “إعلام تيفي”، الذي نشر تفاصيل الصفقة وأبعادها المالية.

تفاصيل تُثير الجدل

تشمل الصفقة استئجار 80 يومًا من حافلات صغيرة بسعة 17 مقعدًا من نوع سياحي، و350 يومًا من سيارات فاخرة من نوع “فولكسفاغن باسات” أو “سكودا سوبيرب” لاستقبال الشخصيات المهمة. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تضمن أيضًا 300 يوم من سيارات “مرسيدس فيانو”، و120 يومًا من “مرسيدس الفئة E”، و30 يومًا من “مرسيدس الفئة S” المخصصة للشخصيات الرفيعة المستوى.

ولأن الكرم لا حدود له، تم تخصيص 100,000 كيلومتر إضافي لجميع أنواع السيارات عند تجاوز 300 كيلومتر يوميًا، إلى جانب 8,000 كيلومتر لحافلات 50 مقعدًا للرحلات خارج الرباط. كل ذلك يشمل الوقود، الصيانة، رسوم الطرق السيارة، وأجور السائقين، مع إلزامية استبدال أي سيارة معطلة خلال ساعتين فقط.

رفاهية تحت غطاء “متطلبات بروتوكولية”؟

يُبرر مجلس النواب مثل هذه الصفقات بالحاجة إلى توفير وسائل نقل لائقة للبرلمانيين وضيوف المجلس من شخصيات سياسية ودبلوماسية. لكن هل تبرر هذه “الحاجة” كل هذه المصاريف الباهظة؟ هل يمكن لمجلس النواب، في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، أن يعيد النظر في طرق تدبير ميزانيته بما يعكس روح المرحلة؟

بين الفخامة والمحاسبة: أين الخط الفاصل؟

إن كانت هذه الصفقة ضرورية، فلماذا لم يتم اللجوء إلى حلول أكثر ترشيدًا، مثل تخفيض عدد السيارات الفاخرة، أو البحث عن بدائل أقل تكلفة؟ وهل هناك جهات رقابية قادرة على وضع حد لهذا النوع من الإنفاق غير المبرر؟

في بلد يكافح لإيجاد حلول لأزماته الاجتماعية والاقتصادية، تُطرح أسئلة أكثر مما تُقدم إجابات: هل هذه النفقات تعكس أولويات المغاربة؟ وهل يدرك صناع القرار حجم الفجوة بين سياساتهم وأوضاع المواطنين؟ أسئلة تب…

الخاتمة: عندما تصبح الفخامة أولوية

القصة هنا ليست مجرد قصة عن إنفاق مبالغ طائلة، بل هي قصة عن أولويات مشوهة. البرلمان، الذي يفترض أن يكون حصنًا لحماية المال العام، يتحول إلى ساحة لإنفاق ميزانيات ضخمة على نفقات غير أساسية. هذا لا يطرح فقط إشكالات تدبيرية، بل يضع المؤسسة التشريعية أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها.

في النهاية، السؤال الأكبر هو: هل يمكن للبرلمان أن يستعيد ثقة المواطنين؟ أم أن هذه الصفقات ستظل شاهدة على فجوة عميقة بين المؤسسات والشعب؟