الفوسفات الذهب الأبيض والفضة والكوبالت.. ثروات تدر الملايير على خزينة المغرب

0
568

تقرير : جمال السوسي

يزخر المغرب بالموارد الطبيعية: معادن ثمينة ومخزون هائل من الفوسفات علاوة على الصيد في أعالي البحار وكذلك الفلاحة. لكن استغلال هذه الموارد والتصرف بها يشبه إدارة ريع حقيقي لا تنتفع منه إلا أقلية صغيرة من النافذين.

صحيح أن المغرب لا يمتلك بترولاً أو غازاً طبيعياً، لكن لديه 3500 كيلومتر من السواحل الغنية بالأسماك، بالإضافة إلى ثروات طبيعية هامة من رواسب الفوسفات الضخمة، وصولاً إلى مواطن استخراج واستغلال المعادن الثمينة، ومروراً بالصيد في أعالي البحار ومقالع الرمل التي لا تحصى. تزخر المملكة بثروات طبيعية ينطوي استغلالها على رهانات اقتصادية بالطبع، ولكن أيضاً سياسية. 

بقيت إدارة واستغلال هذه الثروات، منذ استقلال البلاد في 1956 موضع نقاشات وتساؤلات وجدالات متكررة، في ظل غياب إطار قانوني يستند إلى نصوص عقلانية تحظى بالتوافق. لكن ماهي طبيعة هذه الثروات، وما هو وزنها الاقتصادي؟ كيف يتم استغلالها؟ من هم الفاعلون المستفيدون منها فعلياً؟ وما هو الإطار القانوني الذي يحدد مسار توزيع وإدارة هذه الموارد؟

قُدرت صادرات المغرب من الفوسفات ومشتقاته، وهي المصدر الأول للمداخيل من العملة الصعبة، بحوالي 5.1 مليار يورو في 2018. ولكن لا توجد أي آلية قانونية تسمح للبرلمان المغربي مثلاً بمراقبة سير عمل “المكتب الشريف للفوسفاط”.

كشفت بيانات رسمية صادرة عن “المكتب الشريف للفوسفاط” (مجمع حكومي) عن تحقيق المغرب أرباحا مهمة في مبيعات الفوسفاط ومشتقاته في 2022. 

ووفق وكالة الأنباء المغربية الرسمية، فإن رقم معاملات المجموعة “سجل برسم سنة 2022، ارتفاعا بنسبة 36 في المئة مقارنة بالسنة الماضية ليصل إلى أزيد من 114.5 مليار درهم”، أي ما يزيد عن 11 مليار دولار. 

ووفقا للمصدر ذاته فقد سجل الربح الخام للمجموعة ارتفاعا بنسبة 38 في المائة ليصل إلى أزيد من 50 مليار درهم (5 مليار دولار) مقابل 36.27 مليار درهم (نحو 3.5 مليار دولار)  سنة 2021، مستفيدة من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية. 

الفوسفاط.. 70٪ من الاحتياطي العالمي

ويملك المغرب نحو 70 في المئة من احتياطي الفوسفاط العالمي، وهو أول منتج لهذه المادة في أفريقيا، والثاني في العالم بعد الصين. 

ومنذ تأسيسه في 1920، بدأ “المكتب الشريف للفوسفاط” في تعدين الفوسفاط في أول منجم له في خريبكة.

وفي الفترة نفسها، شرع المجمّع في التصدير ليقوم بعد ذلك بفتح محطات استغلال أخرى في اليوسفية في الثلاثينات وبن جرير في السبعينات والجرف الأصفر في الثمانينات.

وفي السنوات الأخيرة، وسعّت الرباط استثمارات الشركة محلياً وأفريقياً، إذ أُنشئت فروع أفريقية بأثيوبيا ونيجيريا لإنتاج عناصر حيوية تُستخدم في الأسمدة، مثل الأمونيا. 

يسعى المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) إلى رفع الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد في السوق العالمية

تمثل حصة المغرب من السوق الدولية للفوسفات حوالي 31 بالمئة

وفي الوقت الحاضر، تمتلك المجموعة مكاتب في 16 بلدا أفريقيا. 

وعموما، تمثل حصة المغرب من السوق الدولية حوالي 31 بالمئة، بحسب المجمع، كما يُراهن البلد على الاستفادة من احتياطيه لزيادة إنتاجه من الأسمدة بعد القلاقل التي تسببت بها الحرب على أوكرانيا.

وكانت الشركة أكدت أنها لاحظت زيادة الطلب على منتجاتها خلال 2022 من الهند والأميركيتين وأفريقيا جراء تقلص صادرات روسيا بسبب العقوبات الغربية.

 ويتوقع أن يبلغ إنتاج الفوسفاط المغربي في 2023 نحو 15 مليون طن.

كما لا يحترم “المكتب”، الذي يتصرف بدون أي رقابة مستقلة، المواصفات الدولية في مجال احترام البيئة ومكافحة التلوث. وينتج عن هذا انتهاكات دائمة تلحق بصحة العمال والسكان المجاورين للمناجم. وفي تقرير نشرته المنظمة السويسرية غير الحكومية “سويس ايد” في حزيران/ يونيو 2019 نجد أن “مصنعي الأسمدة التابعين للمكتب الشريف للفوسفاط (آسفي والجرف الأصفر) والواقعين على السواحل الأطلسية للمغرب تنبعث منهما كميات كبيرة من الغازات السامة التي تلوث الهواء، وتنتهك حق العمال والسكان المجاورين في الصحة. كما يعاني الكثير من العمال أمراضاً تنفسية وأوراماً سرطانية نتيجة تعرضهم المطول للعناصر الملوِّثة والجزيئات الدقيقة. وتم تسجيل عدة حالات وفاة لدى العمال بسبب هذه الأمراض. كما أن التلوث الذي يتسبب به “المكتب الشريف للفوسفاط” يضر أيضاً بالسكان المجاورين (أمراض تنفسية وتدهور حالة الأسنان بسبب الفلور) وبالفلاحة وتربية الماشية في القرى المحاذية لمواقع عمل “المكتب الشريف للفوسفاط” 

وبالإضافة إلى الفوسفاط، لدى المغرب ثروات طبيعية أخرى أبرزها معدن الفضة والكوبالت. 

الفضة.. سابع أكبر منجم عالمي

ومنذ نهاية الستينات من القرن الماضي، بدأت “شركة معادن إميضر” (SMI) التابعة للمجموعة القابضة “مناجم” بإنتاج معدن الفضة في أكبر مناجم البلاد “إميضر”، شرق مدينة ورزازات. 

وبحسب الشركة الأم، فإن الاحتياطيات المعدنية من الفضة تصل إلى 4536 طن في المنطقة، وأن إنتاج الفضة تجاوز منذ انطلاق العمل في منجم إميضر 143 ألف كيلوغرام. 

وفي 2022، حققت “شركة إميضر”، ومقرها الدار البيضاء، عائدات بزيادة 41 في المئة مستفيدة من “ارتفاع إنتاج الفضة”، وفق بيان صادر عن الشركة نقلته تقارير إعلامية محلية.

 المغرب وقع عقودا أخرى للتنقيب على الفضة في مناطق أخرى

المغرب وقع عقودا أخرى للتنقيب على الفضة في مناطق أخرى

ووفقا لموقع “اليوم 24″، الذي نقل البيان، فإن الشركة “حققت رقم معاملات قدره 419 مليون درهم (نحو 41 مليون دولار) عند متم يونيو الماضي، بزيادة نسبتها 41 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية (٢٠٢١)”. 

ووفق تقارير دولية، فإن منجم إميضر سابع أكبر منجم ينتج الفضة في العالم.

وعلاوة على ذلك، فإن المغرب وقع عقودا أخرى للتنقيب على الفضة في مناطق أخرى.

ففي أبريل من العام الماضي، فازت شركة “ألتوس ستراتيجيز” البريطانية، الرائدة في قطاع المعادن، بصفقة للتنقيب عن النحاس والفضة في منطقة الأطلس الصغير. 

ويستكشف المغرب ثروات أخرى، مثل الذهب والنحاس.

الكوبالت.. المركز الـ 11 عالميا  

المعادن الثمينة هي “الثروة الطبيعية” الأخرى للمغرب، وقد بدأت السلطات الاستعمارية في استغلالها بشكل مبكر جداً بعد أن اكتشفت سنة 1928 احتياطياً هاماً من الكوبالت في منطقة “بوعازر” (جبال الأطلس الكبير). بعدها بسنتين، أي في 1930، تم إنشاء شركة “مناجم” التي تطورت هي أيضاً بشكل سريع جداً. هذه المؤسسة التي تسيطر عليها حاليا العائلة الملكية تشغِّل أكثر من 5000 شخص، وتدير 12 موقعاً منجمياَ في المغرب وأفريقيا جنوب الصحراء.

رغم أن المغرب ليس ضمن البلدان الكبرى المنتجة لمعدن الكوبالت مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، إلا أنه ينفرد برغبة قوية في الاستثمار بالكوبالت “المستدام” أو “النقي”، الذي يدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.

وأعلنت مجموعة “رينو” الفرنسية لصناعة السيارات، الصيف الماضي، إبرام اتفاق مع شركة “مناجم” المغربية لشراء “كبريتات الكوبالت”، المادة التي تدخل في صناعة بطاريات الليثيوم الكهربائية وتتصارع عليها حالياً كبرى شركات السيارات عبر العالم. 

وتعتزم الرباط تزويد الشركة على مدى سبع سنوات بخمسة آلاف طنّ من كبريتات الكوبالت سنوياً.

رينو أبرمت اتفاقاً مع "مناجم" المغربية لشراء كبريتات الكوبالت

رينو أبرمت اتفاقاً مع “مناجم” المغربية لشراء كبريتات الكوبالت

ونص الاتفاق على أن تنتج “مناجم” مادة كبريتات الكوبالت من خام الكوبالت باستخدام تقنيات “منخفضة الكربون” ولا سيّما عبر استخدام طاقة الرياح.

ووفق تقارير رسمية مغربية، فإن البلاد “تحتل المرتبة 11 عالميا من حيث احتياطيات الكوبالت، والمرتبة التاسعة عالميا من حيث الإنتاج، إذ يقدر إنتاجه السنوي بـ 1900 طن”. 

وتسعى البلاد إلى اجتذاب شركات السيارات الكبرى وتزويدها بالمعدن ضمن سلسلة إمداد واحدة موجّهة للتصدير.

وكشف وزير الصناعة، رياض مزور، في يوليو الماضي، أن المملكة تتفاوض مع شركات مصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية من أجل إنشاء مصنع في البلاد، دون أن يحدد أسماءها.

يمتد الساحل على أكثر من 3500 كيلومتر وهو من أغنى السواحل في العالم بالثروة السمكية. وتمثّل أنشطة الصيد في أعالي البحار، واستغلال مقالع الرمل ريعاً حقيقياً ينتفع منه المتنفذون في البلاد.

البحر والصحراء والأرض

مع وجود ساحل يمتد على أكثر من 3500 كيلومتر، ويعد من أغنى السواحل في العالم من حيث حجم الثروة السمكية، فإن أنشطة الصيد في أعالي البحار واستغلال مقالع الرمل تمثّل رهاناً اقتصادياً مهماً يأخذ شكل ريع حقيقي ينتفع منه المتنفذون في البلاد. وحتى تضمن ولاءهم، أعطت المؤسسة الملكية المغربية لضباط من ذوي الرتب العسكرية العالية ولأعيان مقربين من القصر “اعتمادات” وهي بمثابة “تراخيص” استغلال لا تخضع لمعايير قانونية موضوعية وتمكّنهم من التمتع بالثروات البحرية. تدر هذه التراخيص أموالاً طائلة بشكلٍ يجعلها تشبه فعلياً “دجاجة تبيض ذهباً”.

عشية وصوله إلى الحكومة في كانون الثاني/ يناير 2012، و في أعقاب الربيع العربي 2011 – 2012، وعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي بنشر قائمة تضم أسماء كل المنتفعين من هذه الاعتمادات، وذلك حرصاً منه على “الشفافية”. لكن هذا لم يحدث، فلقد تمّ فعلاً نشر قائمة لكنها لم تتضمن اسم أي شخص. في الواقع اقتصر الأمر على أسماء بعض الشركات (التي لا يمكن التعرف على أسماء الأشخاص الذين يقفون خلفها) بثت هنا وهناك، لكن دون أن يكون لذلك أي تأثير.