“الفيلم المغربي القصير بالجوال”: حين يتحول الهاتف الذكي إلى كاميرا للبوح السينمائي

0
92

أسدل الستار، مساء الثلاثاء، على الدورة الثالثة من مهرجان “الفيلم المغربي القصير بالجوال” بسينما ميغاراما بالدار البيضاء. وكما جرت العادة، تم تتويج عدد من المواهب الشابة التي استطاعت تحويل هواتفها الذكية إلى أدوات سينمائية، واستخدامها كوسيط للتعبير الفني ووسيلة لتوثيق الحياة بأسلوب ذاتي، جريء، ومبتكر.

لكن، ما الذي يجعل من هذا المهرجان ظاهرة تستحق التوقف عندها؟ وهل يمكن اعتبار هذا الحدث أكثر من مجرد مسابقة شبابية؟ هل نحن أمام تحول حقيقي في مفهوم السينما المغربية، من الإنتاج الضخم إلى الإبداع الفردي الرقمي، ومن القاعات إلى شاشات الجيب؟

السينما المحمولة: بين الضرورة والاختيار

في عصر تتحول فيه الكاميرا إلى جزء لا يتجزأ من الهاتف، وتتقلص فيه تكاليف الإنتاج إلى الحد الأدنى، يصبح السؤال: هل الهاتف مجرد بديل تقني، أم أداة تمنح المخرج حرية أكبر ورؤية أعمق؟ إن أفلام الدورة الحالية، والتي تراوحت مدتها بين دقيقة وثلاث دقائق، عكست ليس فقط تطوراً تقنياً ملحوظاً لدى المشاركين، بل أيضاً حساً فنياً متميزاً. المواضيع كانت متنوعة، بعضها لامس الجريء، وبعضها غاص في الذاتي، مما يُظهر أن السينما المحمولة لم تعد مجرد تجربة، بل اتجاهاً فنياً قائماً بذاته.

مواهب تبحث عن موطئ قدم في خريطة السينما الوطنية

في غياب فرص إنتاج واسعة في السينما التقليدية، يشكّل هذا المهرجان بالنسبة إلى شباب المناطق البعيدة من المغرب، منفذاً فعلياً لاقتحام المجال الفني. 180 مشاركة من مختلف جهات البلاد، ومنافسة على خمس جوائز رئيسية، تدلّ على تعطّش حقيقي للشباب للتعبير والتجريب والمشاركة.

فهل تعكس هذه الدينامية حاجة ملحة إلى تحديث آليات الدعم العمومي للفن السابع؟ وهل يواكب المشهد السينمائي المؤسساتي هذا التحول الرقمي العميق في أدوات التعبير البصري؟

منصة للإبداع أم مجرد مرحلة؟

رغم أهمية الجوائز – التي توزعت بين الفيلم الروائي، الوثائقي، جائزة الأمل، جائزة الجمهور، وجائزة مؤسسة بنكية – يبقى السؤال المركزي: ما مصير هذه الطاقات بعد المهرجان؟ هل يتحول هذا التتويج إلى بداية مسار مهني، أم أنه مجرد لحظة احتفالية تنتهي بانطفاء أضواء العرض؟ وهل تفكر الجهات المعنية في خلق حاضنات حقيقية لهذه المواهب، تواكب تطورها وتدمجها ضمن دورة الإنتاج الوطني؟

إشارات جديدة في المشهد الثقافي المغربي

إن نجاح مهرجان كهذا يعكس تحوّلاً أعمق في ثقافة الإنتاج والتلقي بالمغرب. جمهور يصوّت لفيلم مفضل عبر المنصة، وشباب يصنعون أفلاماً بأدوات بسيطة، وفنانون مكرّسون يحكمون على أعمال هواتف محمولة… كل ذلك يرسم ملامح مشهد سينمائي بديل، قد يشكّل في قادم السنوات رافعة حقيقية للسينما المغربية، إن تم احتضانه ودعمه برؤية استراتيجية.

في الختام…

“الفيلم المغربي القصير بالجوال” ليس فقط مهرجاناً، بل هو اختبار حقيقي لإرادة التغيير داخل الحقل الفني المغربي. فهل ننتقل من التتويج الرمزي إلى التمكين المؤسساتي؟ وهل تتجاوز هذه المواهب سقف الهواية لتفرض نفسها ضمن تيارات السينما المغربية الجديدة؟

المهرجان انتهى، لكن الأسئلة تبقى مفتوحة، ومهمة صناع القرار الثقافي لم تبدأ بعد.