“الفيلم الوثائقي الأمازيغي: تراث يُحتضن أم ثقافة تُهمّش؟ – قراءة في ملتقى الرباط”

0
175

في ظل تنامي الاهتمام العالمي بالتراث الثقافي غير المادي، يُطرح سؤال جوهري حول مكانة الفيلم الوثائقي الأمازيغي في المشهد الثقافي المغربي.

هل يعكس هذا النوع الفني إرثًا ثقافيًا غنيًا يستحق الحماية والتثمين، أم أنه لا يزال يعاني من التهميش والإقصاء؟ هذا السؤال كان محور النقاش في الملتقى الوطني للفيلم الوثائقي الأمازيغي، الذي نظمته الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالرباط يومي 6 و7 فبراير 2025 تحت شعار “أي موقع للأمازيغية في الصناعة الثقافية بالمغرب؟”.




من خلال هذا المقال، سنحلل أبعاد هذا الملتقى ونناقش التحديات والفرص التي تواجه الفيلم الوثائقي الأمازيغي.

الفيلم الوثائقي الأمازيغي: بين الحفاظ على التراث وتحديات التمويل

أكد المشاركون في الملتقى على أهمية الفيلم الوثائقي كأداة فنية تساهم في حفظ التراث الثقافي الأمازيغي ونقله للأجيال القادمة. فمن خلال الصورة والصوت، يمكن توثيق الظواهر الثقافية والفولكلور الأمازيغي، مما يسهم في إثراء الهوية الوطنية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يتمتع الفيلم الوثائقي الأمازيغي بالموارد الكافية لتحقيق هذه المهمة؟

في هذا الصدد، أشار المنتج السمعي البصري محمد الداغور إلى التحديات الكبيرة التي تواجه صناعة الأفلام الوثائقية الأمازيغية، خاصة في مجال التمويل. فغياب الدعم المالي الكافي يعيق إنتاج أفلام وثائقية عالية الجودة، مما يحد من انتشارها وتأثيرها.

هنا يبرز سؤال آخر: هل يمكن اعتبار الفيلم الوثائقي الأمازيغي جزءًا من الصناعة الثقافية التي يمكن أن تساهم في خلق فرص الشغل وتحقيق التنمية الاقتصادية؟

دور الإعلام والسياسات الثقافية: بين التهميش والتمييز الإيجابي

أشار المتدخلون إلى أن القنوات التلفزيونية التي تعنى بالشأن الثقافي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز حضور الفيلم الوثائقي الأمازيغي. ومع ذلك، فإن هذه القنوات لا تزال تعاني من ضعف في تغطية الثقافة الأمازيغية، مما يعكس إشكالية أعمق تتعلق بسياسات الإعلام والثقافة في المغرب.

دعا المشاركون إلى اعتماد سياسة تمييز إيجابي لصالح الأمازيغية في الفضاء الإعلامي والثقافي، وذلك لتعويض سنوات التهميش التي عانت منها هذه الثقافة.

لكن هل يكفي التمييز الإيجابي لضمان حضور قوي للفيلم الوثائقي الأمازيغي؟ أم أن الأمر يتطلب إعادة هيكلة شاملة للمنظومة الثقافية والإعلامية في المغرب؟

التكوين والسينوغرافيا: تحديات صناعة الفيلم الوثائقي الأمازيغي

تناولت الورشة الأولى في الملتقى موضوع “دور التكوين والسينوغرافيا في إنتاج الفيلم الوثائقي الأمازيغي”، حيث تم التأكيد على أهمية التكوين الأكاديمي والمهني في تطوير مهارات صناع الأفلام الوثائقية. فبدون تكوين متخصص، يصعب إنتاج أفلام وثائقية تحترم المعايير الفنية العالمية.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تتوفر المعاهد والمدارس السينمائية في المغرب على برامج تكوينية متخصصة في الفيلم الوثائقي الأمازيغي؟ وما هي الجهود المبذولة لتعزيز هذه البرامج وتطويرها؟

تحديات التمويل والإنتاج: نحو آفاق جديدة

في الورشة الثانية، تمت مناقشة “تحديات تمويل وإنتاج الأفلام الوثائقية الأمازيغية”، حيث أشار المتدخلون إلى أن ضعف التمويل يعد أحد أكبر العقبات التي تواجه صناع الأفلام الوثائقية. فبدون دعم مالي كافٍ، يصعب تحقيق مشاريع طموحة تليق بالتراث الثقافي الأمازيغي.

هنا يبرز سؤال آخر: هل يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا في تمويل الأفلام الوثائقية الأمازيغية؟ وما هي الآليات التي يمكن أن تسهل هذا التعاون بين القطاعين العام والخاص؟

الخاتمة: نحو مستقبل واعد للفيلم الوثائقي الأمازيغي

في النهاية، يبقى الفيلم الوثائقي الأمازيغي أداة قوية للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، سواء على مستوى السياسات الثقافية أو التمويل أو التكوين.

إن الملتقى الوطني للفيلم الوثائقي الأمازيغي يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، لكن الطريق لا يزال طويلاً. فبدون دعم حقيقي ومستدام، سيظل الفيلم الوثائقي الأمازيغي يعاني من التهميش، مما يهدد بفقدان جزء مهم من التراث الثقافي المغربي. لذا، فإن تعزيز الاهتمام بهذا النوع الفني ليس مجرد مسؤولية ثقافية، بل هو أيضًا استثمار في المستقبل.