القنيطرة: حين يعود المغترب إلى وطنه ليجد أرضه قد تحولت إلى فندق – قراءة في خلفيات الأزمة وأبعادها الوطنية والدولية

0
249

في مشهد يختزل معاناة آلاف المغاربة من الجالية الذين يغادرون وطنهم بحثًا عن فرص حياة أفضل، فقط ليواجهوا عند عودتهم مفاجآت قاسية، تعود قصة مهاجر مغربي من مدينة القنيطرة لتهز وجدان الرأي العام: رجل عاد إلى أرض الوطن ليجد قطعة أرضه التي ورثها أو اشتراها قد بُني عليها فندق، وبدون أي تعويض أو إعلام رسمي، وسط صمت حكومي يُثير تساؤلات كثيرة حول حقوق الملكية وحماية المهاجرين في المغرب.




هذا الحدث، الذي قد يبدو على السطح مشكلة فردية، يعكس واقعًا أكثر اتساعًا يشمل موضوعات حرجة ترتبط بالملكية العقارية، الحماية القانونية، وإدارة التوسع العمراني في المدن المغربية، ويطرح إشكاليات حقيقية حول كيفية تعامل الدولة مع مواطنيها، وخاصة من أبناء الجالية الذين يشكلون جسرًا حيويًا بين الداخل المغربي والعالم الخارجي.

أولًا: ما دلالة هذه القضية في سياق حقوق الملكية والتشريع المغربي؟

لا يخفى أن ملف العقارات في المغرب يعاني من حالات نزاع متكررة، خاصة بين أصحاب الحقوق الأصلية والتطورات العمرانية التي تتطلب أحيانًا إعادة تخصيص الأراضي. لكن التساؤل الأساسي هنا: هل توجد آليات فعالة لضمان حقوق المهاجرين الذين قد يبتعدون لفترات طويلة عن أرضهم؟ وهل النظام القانوني المغربي يوفر شفافية وحماية كافية لمنع مثل هذه المفاجآت؟

تقرير صادر عن وزارة العدل المغربية في السنوات الأخيرة أشار إلى أن ضعف التتبع القانوني وغياب التواصل بين الجهات المختصة والمواطنين يعد من الأسباب الجوهرية التي تؤدي إلى نزاعات في الملكية، خاصة في المناطق الحضرية المتسارعة في النمو مثل القنيطرة.

ثانيًا: ما هي الآثار الاجتماعية والنفسية على المهاجرين الذين يواجهون هذه الخيبات؟

المهاجرون المغاربة، الذين يمثلون أكثر من 5 ملايين نسمة موزعين في أوروبا وأمريكا وأجزاء أخرى من العالم، يعيدون الربط الروحي والعاطفي مع الوطن عبر استثماراتهم العقارية أو زياراتهم المتكررة. فإذا ما وجدوا أن أراضيهم تُنتزع منهم دون سابق إنذار، فما تأثير ذلك على شعورهم بالانتماء؟ وهل قد يدفع ذلك إلى عزوف أكبر عن العودة أو الاستثمار في بلدهم؟

جمعية “المهاجرون المغاربة” عبر تقاريرها السنوية تؤكد أن مشكلات الاستقبال والعدالة العقارية تمثل من أكبر العقبات التي يواجهها أبناء الجالية عند العودة، مما يضعف الروابط بين الشتات والوطن.

ثالثًا: كيف يتداخل هذا الواقع مع السياق الدولي وحماية حقوق المغتربين؟

دوليًا، تتوفر العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى حماية حقوق المغتربين، ومنها ما يتعلق بحقوق الملكية وحق العودة إلى الوطن دون خوف من التعسف. هل يتماشى المغرب مع المعايير الدولية في هذا المجال؟ وهل هناك تعاون دولي كافٍ لمتابعة حقوق المغاربة في الخارج، خاصة مع الدول الأوروبية التي تضم أكبر تجمعات الجالية؟

التقارير الدولية لمنظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” أكدت مرارًا على أهمية ضمان حماية حقوق الملكية والعدالة الاجتماعية لضمان استقرار المجتمعات ومساهمة المغتربين في التنمية الوطنية.

أسئلة مفتوحة تحفز التفكير:

  • هل يُعتبر هذا الملف دليلاً على قصور في السياسات الحكومية تجاه حماية حقوق المهاجرين المغاربة؟

  • إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه القضايا على صورة المغرب أمام جاليته بالخارج، التي تلعب دورًا اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا مهمًا؟

  • هل هناك جدوى من خلق آليات مؤسساتية جديدة تعزز حماية أراضي المغتربين وتمنع التجاوزات؟

  • كيف يمكن للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية أن يساهموا في تصحيح هذا الوضع وتحقيق توازن بين التنمية العمرانية وحقوق الملكية؟

  • وهل قد تفتح هذه الحالات باب النقاش حول إعادة تقييم السياسات العمرانية وتأثيرها على الفئات الاجتماعية الضعيفة؟

خاتمة: نحو قراءة جديدة لأزمة الملكية في زمن الهجرة

الملف الذي برز في القنيطرة ليس مجرد قصة فردية، بل هو نموذج مصغر لأزمة أكبر تتعلق بحقوق المهاجرين وحماية ممتلكاتهم في وطنهم. في ظل العولمة والتحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، يصبح من الضروري أن تتبنى الدولة سياسات أكثر شفافية وفعالية، تضامنًا مع مواطنيها داخل وخارج الحدود.

إن ربط هذه القضايا بمقاربة حقوقية وقانونية متجددة يمكن أن يساهم في تعزيز الثقة المتبادلة بين الجالية ووطنها، ويحول مسألة الملكية من مصدر للتوتر إلى عامل قوة في التنمية الوطنية الشاملة.