“الكنيست يصوّت على ضم الضفة الغربية: نهاية فعلية لحل الدولتين أم مناورة داخلية لامتصاص الغضب؟”

0
224

في خطوة وُصفت بأنها “تصريحية وليست قانونية”، أيد 71 عضوًا من الكنيست الإسرائيلي مقترحًا يدعم فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بما يشمل غور الأردن، وهي أراضٍ تحت الاحتلال منذ عام 1967. ورغم غياب القوة القانونية الملزمة لهذا القرار، إلا أن وزنه الرمزي والسياسي يضعه ضمن أخطر التحولات في المسار الصهيوني المعاصر، ويكشف بجلاء عن أزمة أعمق في المنظومة الدولية التي ما تزال عاجزة عن فرض قرارات الشرعية الدولية.

الرمزيّة تغلف الواقعية: ماذا يعني “قرار بلا قوة قانونية”؟

رغم الطابع غير الإلزامي للتصويت، إلا أن ما يحمله من مضامين سياسية لا يمكن استبعاده من سياق متصاعد من التهويد والتطبيع القسري للواقع الجغرافي والسياسي في الأراضي المحتلة. فمجرد تمرير مقترح كهذا داخل البرلمان، وبتأييد الأغلبية، يشكّل اعترافًا مؤسساتيًا بإمكانية تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمها القانون الدولي.

هذه المرة، لا يجري الضمّ عبر إعلان رسمي كما حدث في القدس الشرقية أو هضبة الجولان، بل عبر ما يمكن تسميته بـ”الضم الرمزي المرحلي” الذي يراكم مشروعية وهمية تبرر خطوات لاحقة أكثر جرأة.

ما وراء الاقتراح: صعود القومية الدينية وتآكل حل الدولتين

ما يثير الانتباه أن المبادرين للمقترح ينتمون إلى أقصى اليمين الإسرائيلي: حزب “القوة اليهودية” و”الصهيونية الدينية”، بدعم من نواب الليكود. هذا يعكس التحوّل البنيوي داخل إسرائيل من دولة تحاول مواراة الاحتلال بسياسات مؤقتة، إلى دولة تُمأسس مشروع الضم الكامل، وتعيد صياغة روايتها التاريخية على قاعدة أن “يهودا والسامرة” جزء لا يتجزأ من الوطن اليهودي.

في هذا السياق، لم يعد حلّ الدولتين مطروحًا حتى كأداة دبلوماسية. صوّت الكنيست في يوليوز 2024 ضد قيام دولة فلسطينية، في تجاهل صريح لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى رأسها القرار 2334 (2016) الذي أدان الاستيطان وطالب بإنهاء الاحتلال.

ازدواجية الخطاب الإسرائيلي: الأمن ذريعة… والتوسّع هدف

الخطاب التبريري لمبادرة الضم يعتمد على ثلاث مرتكزات:

  1. التهديد الأمني بعد 7 أكتوبر 2023؛

  2. رفض الدولة الفلسطينية بالإجماع الوطني؛

  3. تثبيت السيطرة اليهودية الكاملة على “الوطن التاريخي”.

إلا أن هذه المبررات تخفي تناقضًا جوهريًا: فمن جهة، تسعى إسرائيل لتقديم نفسها كدولة ديمقراطية تحترم القانون الدولي، ومن جهة أخرى، تُراكم خروقات جسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما فيها تهجير السكان، الاستيطان، واستخدام مفرط للقوة، وهي أمور وثّقتها مرارًا تقارير مجلس حقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية.

المقارنة بالسياقات الدولية: هل الضمّ سابقة غير مسبوقة؟

بينما يُعدّ الضم بالقوة مرفوضًا صراحة وفق المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن القانون الدولي لم يتمكن فعليًا من محاسبة إسرائيل. نُذكر هنا أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 وضمّ العراق للكويت في 1990 قوبلا بعقوبات دولية صارمة. في المقابل، تتواصل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وسط صمت دولي أو تواطؤ سياسي، لا سيما من بعض القوى الغربية الكبرى التي تمارس ازدواجية في تطبيق القانون الدولي.

السياق العربي والدولي: الإدانة الكلامية والتطبيع المتواصل

رغم الإدانة العربية المنتظرة، فإن التحوّلات الإقليمية تضعف أي جبهة مواجهة حقيقية مع سياسات الضم. فبعض الدول العربية انخرطت في مسار تطبيع شامل دون ربطه بإنهاء الاحتلال، كما تنص المبادرة العربية للسلام (2002). أما على المستوى الدولي، فإن مجلس الأمن يظل رهينة الفيتو الأمريكي، بينما تكتفي الأمم المتحدة بإصدار البيانات والتحذيرات، كما أكد آخر تقرير لمبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام (2024) حول “تقويض آفاق حل الدولتين بفعل سياسات الضم والاستيطان”.

من الضفة إلى غزة: سياسة الأرض المحروقة

قرار الضم لا ينفصل عن العدوان المستمر على قطاع غزة، والذي حصد أكثر من 37 ألف قتيل وجريح منذ أكتوبر 2023، معظمهم من الأطفال والنساء. ما يجري هو إعادة رسم للخريطة السياسية الفلسطينية بالقوة، بالتزامن مع خنق غزة، وتهويد القدس، وضم الضفة، في مسار يقوّض بشكل نهائي أي إمكانية لحل الدولتين أو إقامة كيان فلسطيني مستقل.

خاتمة: الضم الرمزي… حجر جديد في قبر “حلّ الدولتين”

ما نشهده اليوم ليس مجرد تصويت برلماني عابر، بل هو ترسيخ لاستراتيجية الضم الزاحف التي تنتهجها إسرائيل منذ سنوات. إنها ليست نهاية عملية سياسية، بل إعلان صريح عن ولادة نظام احتلال دائم. والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل سيتحرّك المجتمع الدولي هذه المرة لحماية ما تبقى من الشرعية الدولية؟ أم سنشهد تطبيعًا جديدًا مع واقع الفصل العنصري والاستعمار الطويل الأمد؟