في مشهد يفضح انحدار الخطاب السياسي الرقمي بالمغرب، عادت قنوات التضليل على “يوتيوب” لتصنع فضيحة من العدم. قناة تحمل اسم “العميد” نشرت فيديو مفبركاً تدّعي فيه اعتقال محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، وإيداعه السجن بتهمة الإساءة لرموز المملكة. خبر كاذب بالكامل، لكنه كُتب بعناية ليضرب مصداقية شخصية سياسية معارضة تقض مضجع خصومها.
الخبر المزيف لم يكن مجرد إشاعة عابرة، بل جزء من حملة ممنهجة تستهدف تصفية الحسابات السياسية قبل الانتخابات التشريعية المقبلة في 2026.
القناة التي أطلقت هذه الإشاعة حملت اسم “العميد”، وقدّمت محتوى يفتقر لأبسط معايير المهنية، مستهدفة شخصية سياسية معروفة بمواقفها المعارضة داخل البرلمان.
أوزين، الذي صعد في الآونة الأخيرة إلى واجهة النقاش السياسي من خلال انتقاداته الجريئة للحكومة ومطالبته بتشكيل لجان لتقصي الحقائق في ملفات شائكة مثل اختلالات أسواق اللحوم والأغنام، وجد نفسه فجأة في مرمى نيران التشهير الرقمي.
هذه الحملة ليست حدثاً معزولاً، بل تعكس توجهاً منظماً لتشويه الأصوات المعارضة عبر الاستثمار في الشائعات المصنوعة خصيصاً لإرباك الرأي العام وضرب الثقة في المؤسسات السياسية.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها شخصيات معارضة لحملات افتراء عبر الذئاب الإلكترونية. الجديد هذه المرة أن الاستهداف يطال شخصية محورية في المعارضة البرلمانية، تجرؤ على مساءلة الحكومة في ملفات ثقيلة مثل اختلالات أسواق اللحوم، وتطالب بلجان تقصي الحقائق في قضايا تؤرق الشارع المغربي. بمعنى آخر، الضربة لم تكن عشوائية: الهدف هو إسكات صوت سياسي يربك حسابات من بيدهم السلطة والنفوذ.
التحليل البسيط يقود إلى ما هو أعمق: لماذا الآن؟ ولماذا أوزين بالذات؟ الجواب يطلّ من أفق سنة 2026، موعد الانتخابات التشريعية المقبلة. فالمشهد الحزبي يعيش حالة إعادة تموقع، والوجوه التي تملك قدرة على مخاطبة الرأي العام بجرأة ومصداقية، مثل أوزين، تتحول إلى “أهداف سياسية” ينبغي تحييدها مبكراً. هنا يصبح “الاغتيال الرقمي” أداة فعالة: تشويه السمعة، خلق الشكوك، ضرب المصداقية قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية على أرض الواقع.
الأخطر من ذلك أن هذه الحملات لا تمسّ شخص أوزين فقط، بل تمسّ جوهر اللعبة الديمقراطية في المغرب. حين يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة للتشهير بدل النقاش العمومي، فنحن أمام انحراف خطير يهدد التعددية السياسية ويزرع الخوف بين الأصوات الحرة. إنها رسالة مبطنة لكل معارض: “إما أن تصمت، أو سنغرقك في الوحل الافتراضي”.
اليوم، لم يعد السؤال هو “من وراء هذه القنوات؟” فذلك معلوم من طبيعة التمويل واللغة والخط التحريري الموجه. السؤال الحقيقي هو: هل سيتقبل المغاربة أن تتحول محطة 2026 إلى انتخابات مشوهة قبل أوانها، تُدار عبر الذئاب الإلكترونية بدل صناديق الاقتراع؟ وهل ستقف السلطات مكتوفة الأيدي أمام مافيا التضليل التي تعيد رسم المشهد السياسي بأدوات الكذب والفبركة؟