في خطوة تعكس رؤية استراتيجية متقدمة، لقيت المبادرة الملكية التي أطلقها صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله لدعم الدول الأطلسية الإفريقية ترحيبًا واسعًا، حيث عبرت 20 دولة إفريقية عن دعمها لهذا المشروع الطموح. ويرتكز هذا المخطط على تحويل الواجهة الأطلسية للقارة إلى فضاء متكامل اقتصاديًا وجاذب للاستثمارات العالمية. فهل يمكن لهذه المبادرة أن تكون القاضية على العزلة الجيوسياسية التي عانت منها إفريقيا لعقود؟
السياق العام: لماذا الآن؟
في ظل التحديات العالمية الراهنة، مثل التغيرات المناخية، والأزمات الاقتصادية، وتصاعد النزاعات الإقليمية، تبرز الحاجة إلى مبادرات تعزز التضامن الإفريقي. المبادرة الملكية المغربية تأتي في وقت تشهد فيه القارة تحولات جيوسياسية واقتصادية كبيرة، خاصة مع تنامي دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).
إعلان الرباط يهدف إلى تحويل الواجهة الأطلسية الإفريقية إلى فضاء للتكامل والازدهار، مع التركيز على تعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المشاطئة للمحيط الأطلسي. ولكن هل ستنجح هذه المبادرة في تحقيق أهدافها الطموحة في ظل التحديات التي تواجهها القارة؟
الأبعاد الاقتصادية: من الموارد إلى القيمة المضافة
أحد المحاور الرئيسية لإعلان الرباط هو تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها الدول الإفريقية الأطلسية، مثل الأراضي الزراعية والمعادن والموارد الطاقية. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يكمن في تحويل هذه الموارد إلى قيم مضافة حقيقية تعود بالنفع على الشعوب الإفريقية.
المبادرة تشدد على أهمية الشراكات العادلة والمتوازنة، ونقل التكنولوجيا، وتوطين الاستثمارات. ولكن كيف يمكن ضمان أن تكون هذه الشراكات في صالح الدول الإفريقية، خاصة في ظل الهيمنة التاريخية للقوى الاقتصادية الكبرى؟ وهل ستتمكن الدول الإفريقية من تجاوز الفجوات الصناعية والتكنولوجية التي تفصلها عن بقية العالم؟
البعد الجيوسياسي: تعزيز السيادة والوحدة الترابية
إعلان الرباط يؤكد على احترام سيادة الدول ووحدتها الترابية، وهو ما يكتسب أهمية خاصة في ظل النزاعات الإقليمية التي تعاني منها بعض الدول الإفريقية. المبادرة تهدف إلى تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، مما قد يسهم في جذب الاستثمارات الدولية. ولكن كيف يمكن لهذه المبادرة أن تسهم في حل النزاعات العابرة للحدود، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي التي تعاني من التطرف والإرهاب؟
التكامل مع المبادرات الإفريقية الأخرى
المبادرة الملكية لا تأتي في فراغ، بل تتكامل مع مشاريع إفريقية أخرى، مثل مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، الذي يهدف إلى ربط 13 دولة إفريقية بأوروبا. هذا التكامل قد يعزز من فرص نجاح المبادرة، خاصة في ظل الحاجة الماسة إلى تعزيز البنية التحتية والربط بين الدول الإفريقية. ولكن هل ستكون هذه المشاريع كافية لتحقيق التكامل الإقليمي المنشود؟
التحديات والفرص
رغم الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الدول الإفريقية الأطلسية، إلا أن هناك تحديات كبيرة تواجه هذه المبادرة. من بين هذه التحديات نقص البنية التحتية، والفساد، وعدم الاستقرار السياسي في بعض الدول. بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح المبادرة يعتمد بشكل كبير على مدى التزام الدول المشاركة بتنفيذ المشاريع المتفق عليها.
من ناحية أخرى، فإن المبادرة تفتح آفاقًا جديدة للتعاون جنوب-جنوب، وتعزيز التضامن الإفريقي. إذا تم تنفيذها بشكل صحيح، فقد تسهم في تحويل الواجهة الأطلسية الإفريقية إلى قطب اقتصادي جاذب للاستثمارات الدولية.
الخاتمة: هل ستكون المبادرة القاضية؟
إعلان الرباط يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التكامل الإفريقي، ولكن نجاحه يعتمد على عدة عوامل، منها الإرادة السياسية للدول المشاركة، والقدرة على تجاوز التحديات الداخلية والخارجية. إذا تم تنفيذ المبادرة بشكل فعال، فقد تكون القاضية في تحقيق التكامل الإقليمي والازدهار الاقتصادي للدول الإفريقية الأطلسية.
ولكن السؤال الذي يبقى معلقًا هو: هل ستتمكن هذه الدول من تحويل الطموحات إلى واقع ملموس؟