المجتمع المدني المغربي وقانون المسطرة الجنائية: من مواجهة تشريعية إلى تصعيد دولي؟

0
416

في سياق نقاش متجدد حول موقع ودور المجتمع المدني في المنظومة القانونية بالمغرب، انفجرت مواجهة حادة بين عدد من الجمعيات الحقوقية والحكومة، عقب مصادقة مجلس النواب على تعديلات جوهرية في قانون المسطرة الجنائية، طالت مادّتين مركزيتين (3 و7) تنظمان شروط التقاضي في الجرائم المالية والفساد. جمعيات المجتمع المدني، مجتمعة ضمن “المبادرة المدنية”، اعتبرت هذه التعديلات “انحرافاً تشريعياً خطيراً” يُهدد دورها الدستوري، ولوّحت بنقل المعركة إلى المنتظم الدولي، في سابقة لها ما بعدها.

تفكيك المواد المثيرة للجدل: ماذا تقترح المادتان 3 و7؟

  • المادة 3: تقيّد، وفق المعنيين، الحق في مباشرة الدعوى العمومية من طرف الجمعيات في قضايا تمسّ المال العام.

  • المادة 7: تمنع الجمعيات من الانتصاب كطرف مدني أمام القضاء، وهو ما يعتبره الفاعلون الحقوقيون شللاً لدورها التاريخي في متابعة ملفات الفساد.

هذه التعديلات، في نظر الجمعيات، تُفرغ المكتسبات الدستورية من محتواها، وتُضعف الرقابة المجتمعية على مظاهر الإثراء غير المشروع والإفلات من العقاب.

التداعيات الداخلية: بين إعادة هندسة العلاقة المدنية القضائية و”التضييق المقنن”

تقول الجمعيات إن ما يجري هو محاولة لإعادة هيكلة العلاقة بين القضاء والمجتمع المدني، بشكل يُقصيه عن لعب دوره كضامن للشفافية والرقابة. المبادرة لا ترى في الأمر مجرد تنظيم قانوني، بل “تضييق مقنن” يُقلّص من سلطة الجمعيات التي راكمت تجربة في الترافع في قضايا فساد كبرى.

وفي مقابل ذلك، تُبرر الحكومة التعديلات بكونها جزءاً من مشروع لإعادة ترشيد المسطرة الجنائية وضمان فاعليتها، لكن توقيت التعديل، وغياب المقاربة التشاركية، يزيدان من الاحتقان الحقوقي، ويطرحان علامات استفهام حول النية التشريعية الحقيقية.

تصعيد دولي مرتقب: الأمم المتحدة في واجهة المشهد

أمام ما تعتبره الجمعيات استنفاداً لكل الوسائل الوطنية، أعلنت نيتها اللجوء إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، باعتباره الهيئة المشرفة على تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي صادق عليها المغرب.

التوجه الدولي لا يبدو مجرد تهديد رمزي، بل هو ورقة ضغط حقيقية تستند إلى المرجعيات الدولية التي تؤكد دور المجتمع المدني في رصد الجرائم المالية، وتمكينه من آليات اللجوء القضائي.

❝ هل نحن أمام بداية تدويل حقوقي جديد لملفات حسّاسة في مغرب اليوم؟ ❞

البعد الدولي والاستثمار: هل تهدد التعديلات صورة المملكة؟

في سياق عالمي يتجه أكثر نحو الشفافية والمساءلة، تتزايد التحذيرات من أن تقليص دور المجتمع المدني في تتبع قضايا الفساد قد ينعكس سلباً على صورة المغرب في المحافل الدولية.
تقارير مؤسسات مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الشفافية الدولية، غالباً ما تدمج مؤشرات المجتمع المدني ضمن معايير الحوكمة الرشيدة.

من هذا المنظور، فإن تمرير التعديلات بصيغتها الحالية قد يضعف جاذبية المغرب الاستثمارية، ويُقلّص من نقاطه في التصنيفات العالمية التي تتابعها الشركات الدولية ومؤسسات التمويل.

الشارع والبرلمان: احتقان من تحت القبة وتعبئة على الأرض

الجمعيات دعت إلى وقفة احتجاجية يوم 1 يوليوز أمام البرلمان، في رسالة تعبّر عن اتساع الهوّة بين الدولة ومجتمعها المدني. وفي المقابل، تُعوّل بعض مكونات المبادرة على “الأصوات العقلانية” داخل مجلس المستشارين، أملًا في مراجعة التعديلات أو إيقاف تمريرها بصيغتها الحالية.

لكن الأهم، حسب مراقبين، أن المعركة باتت اختبارًا سياسيًا حقيقيًا لقدرة الدولة المغربية على تبني شراكة دستورية فعالة مع المجتمع المدني، بدل الدفع به إلى الهامش القانوني والسياسي.

قراءة متوازنة: ما له وما عليه

  • ما يُحسب للجمعيات:

    • يقظتها الحقوقية وتشبثها بموقعها في حماية المال العام

    • قدرتها على ربط المحلي بالمرجعي الدولي

    • توظيف أدوات الضغط المشروعة وطنياً ودولياً

  • ما يُأخذ عليها:

    • ضعف النفاذ السياسي

    • احتمالية تسييس الملف على المستوى الدولي

    • خطر تصوير المغرب كمكان غير آمن قضائياً رغم وجود آليات حماية

  • ما يُحسب للحكومة:

    • السعي لتحديث وتقنين المسطرة الجنائية

    • محاولة فرض الانضباط على المساطر القضائية

  • ما يُأخذ عليها:

    • غياب المقاربة التشاركية

    • تغييب الجمعيات ذات الاختصاص والخبرة

    • توقيت التعديل في سياق إقليمي ودولي حساس

خاتمة مفتوحة: هل نعيش لحظة تأسيس جديدة؟

لسنا أمام سجال قانوني عابر، بل في صلب مواجهة تعكس توتراً بنيوياً بين منطق الدولة ومنطق المجتمع. وهي لحظة فارقة في تاريخ العلاقة بين السلطة والمجتمع المدني، قد تفضي إلى مراجعة عميقة لمنظومة العدالة الجنائية، أو إلى انغلاق تشريعي يتبعه انكفاء دولي على المملكة.

❝ هل تكون هذه المعركة مدخلاً لتقوية شراكة حقيقية مع المجتمع المدني؟ أم بداية لموجة تدويل قادمة للملفات الحقوقية في مغرب ما بعد 2011؟ ❞