المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى اعتماد استراتيجية وطنية لـ “حماية التراث الثقافي”

0
207

قد يبدو مستغرباً أن القانونين الأساسيْن المتعلّقين بالحفاظ على المباني التاريخية والتحف الفنية والعاديات وحماية المدن القديمة والمعمار الجهوي في المغرب قد تمّ إقرارهما أيام الاستعمار الفرنسي في عامي 1914 و1945، ولم يصدر منذ ذلك التاريخ سوى قانون واحد عام 1980 في محاولة لملاءمة مواده مع الاتفاقيات الدولية.

الرباط – دعا رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، أمس الجمعة بالرباط، إلى اعتماد استراتيجية وطنية لحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه وتثمينه.

جاء ذلك خلال لقاء نظمه المجلس، بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل بفضاء شالة الأثري لتقديم مخرجات رأي أعده حول موضوع “من أجل رؤية جديدة لتدبير التراث الثقافي وتثمينه”، في إطار إحالة ذاتية، وحضره على الخصوص، وزير الشباب والثقافة والتواصل،  محمد المهدي بنسعيد، وعدد من السفراء المعتمدين بالمملكة، وشخصيات من عالم الثقافة والإعلام والبحث العلمي.

وقال الشامي إنه بناء على التشخيص الذي تتقاسمه مختلف الأطراف، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “يوصي باعتماد استراتيجية وطنية لحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه وتأهيله قائمة على فعلية الحقوق واحترام التنوع الثقافي وإشراك آليات الديمقراطية المحلية في حكامته”.

وأضاف رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه على الرغم من الجهود المحمودة المبذولة والوعي القوي للمؤسسات والمجتمع بأهمية التراث الثقافي، فإن مختلف الفاعلين الذين استمع لهم المجلس متقفون على أن التراث الثقافي في حاجة إلى دفعة قوية ليتحول إلى ثروة مادية ذات وقع سوسيو-اقتصادي من أجل جعله رافعة حقيقية للتنمية.

وأبرز الشامي، في هذا الصدد، أن الثقافة لا يمكن أن تشكل رافعة للتنمية المستدامة والمجالية، وآلية للاندماج الاقتصادي والاجتماعي للساكنة دون استغلال الفرص التي يتيحها الاستثمار في النهوض بالتراث الثقافي وحمايته، مشيرا إلى أنه ليس من قبيل الصدفة أن يكون 80 في المائة من السياح الذين يزورون المملكة تجذبهم الوجهات الثقافية.

من جهته، قال محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، إن المواقع الأثرية والأنسجة العتيقة المغربية التي تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، “تشكل اليوم وجهة المغرب دوليا، ومصدرا للاستثمار الوطني”، مشيرا إلى أن المغرب سجّل اثني عشر عنصرا من الثقافة المغربية كتراث إنساني ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.

وأضاف بنسعيد أن قطاع الثقافة يبذل، بمعية مختلف الشركاء، جهودا كبيرة للتعريف بالتراث الوطني وصيانته وتثمينه وإدماجه في المجهودات التنموية، بهدف تحقيق التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي والمجالي في مختلف جهات المملكة وتعزيز الإشعاع الثقافي للمغرب وتقوية الهوية الوطنية بروافدها المتعددة.

وأشار إلى أن المجلس استحضر خلال إعداد هذا الرأي حول التراث الثقافي ثلاثة أبعاد أساسية، يهم أولها البعد الهوياتي، الذي يجسد ملامح الشخصية المغربية في وحدتها وتنوعها وتطورها التاريخي، مشددا في هذا السياق على الحاجة إلى تحقيق ما يمكن تسميته ب”الأمن التراثي” بمفهومه الواسع الذي يعزز لدى الأفراد والمجتمع روابط الانتماء إلى الأمة والتراب والذاكرة والمجال المشترك. 

في تقرير رسمي صدر العام الماضي عن “المجلس الأعلى للحسابات”، أشار إلى “عدم العناية بالوثائق القانونية المتعلّقة بالتراث الثقافي، وتوقّف مشاريع ترميم عديدة بدأت عام 2006، وعن غياب معلومات بشأن مشاريع أخرى ووجود مخالفات تتعلّق بترميمها، علاوة على تعرّض بعضها لعمليات السرقة أو محاولات التخريب أو الهدم بسبب عوامل طبيعية، نظراً لعدم توفّر آليات لحماية العديد من المواقع الأثرية”.

كما ذكر التقرير بأن عمليات إحصاء الآثار وتسجيلها لا “تُرفق بالعناصر التي توضّح الطرق المستعملة لإنجاز هذا الإحصاء كالخرائط الأركيولوجية وخرائط التموقع الجغرافي بالأقمار الصناعية والأبحاث التاريخية، رغم أن عدد المعالم التاريخية التي تمّ تسجيلها بلغ 3078 موقعاً بحسب إحصائيات وزارة الثقافة”.

تحضر هذه الخلفية مع إعداد الوزارة مؤخراً لمشروع جديد يتعلّق بحماية التراث والمحافظة عليه وتثمينه، والذي بمقتضاه سيتم الأخذ بعين الاعتبار أصنافاً جديدة من الموروث الثقافي، حيث جرى تصنيفه كتراث ثقافي غير منقول يشمل المواقع والمعالم والمنشآت المعمارية والمدن المندثرة والتاريخية والحديثة، وتراث منقول يضم اللقى والحفريات والآثار المغمورة تحت الماء، إلى جانب التراث غير المادي من ممارسات وتعبيرات وتمثّلات في اللغة والموسيقى والفنون والحرف وغيرها، وتراث مزدوج من إبداع الطبيعة والإنسان معاً.

ويجري وفق المشروع إحداث سجلّ وطني للجرد يُلزم القيمين على التراث بإغنائه واثرائه وفق آجال قانونية محددة، وإنشاء لجنة وطنية للتراث الثقافي ذات طابع استشاري مهمتها الأساسية الإدلاء برأيها حول البرامج والمشاريع المتعلقة بحماية التراث والمحافظة عليه وترميمه وتأهيله، وكذلك حول طلبات الترخيص لأبحاث الحفريات الأركيولوجية.

كما يشمل المشروع التأكيد على خلق شرطة لحماية التراث الثقافي بكل أصنافه، وتشديد العقوبات على المخالفين للقانون خاصة ما اتصل بالتنقيب الأركيولوجي غير الرخص وسرقة التحف وتخريب وإتلاف المعالم التاريخية والأثرية، ويحدّد أيضاً الإجراءات الضريبية التي ستطبق على كل من يحوز ممتلكات ثقافية.

خطوة قد تكون متأخرة بحسب تصريحات لوزير الثقافة المغربي محمد الأعرج الشهر الماضي، خاصة في بلد كالمغرب يضمّ إرثاً غنياً ومتنوّعاً يمتد لآلاف السنين، حيث لم يكن هناك قانون شامل لحمايته وتنظيم شؤونه، مع الأخذ بالاعتبار أن عوائق عديدة ستواجه تنفيذ بنوده من جهة والقدرة على توفير دعم مالي كافٍ للحفاظ على التراث وإعادة تأهليه من جهة أخرى.