بعد تدخلها غير الشرعي في ليبيا وتونس، والمغرب، تعمل تركيا على اختراق المشهد السياسي الجزائري والتدخل فيه من خلال الاتصالات التي تقوم فيها مع تنظيمات اسلامية محظورة في البلاد هي نتاج لتنظيم الاخوان المسلمين في البلاد.
خلال مطارده عناصر الاخوان في الداخل والخارج الجزائري، عملت انقرة على تامين الغطاء والحماية والايواء لهم وتسهيل تحركاتهم في تركيا وتقديم المدد المالي والتوجيهي لهم.
الواضح ان انقرة تعمل على اعادة التاريخ الى الوراء، وفتح اوراق العشرية السوداء التي اودت بحياة الاف الجزائريين الابرياء وارهقت الاقتصاد الوطني ودمرت المصانع والمنشآت التي كانت تفتخر فيها البلاد، وهجرت وشردت عشرات الالاف من مدنهم وقراهم بعد ان حملت الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة السلاح في وجه الدولة لانتزاع الحكم في بداية التسعينيات.
بعد ان قضت الدولة الجزائرية على براثن التطرف، فقتلت واعتقلت رؤوس الارهاب، قام عدد من القيادات الاخوانية بالفرار الى الخارج، واسسوا تنظيما متطرفا يحمل اسم رشاد، قامت المخابرات التركية باحتواءهم في اراضيها وقدمت لهم العون والمساعدة والدعم في مساعيهم لاسقاط نظام الحكم في الجزائر.
تشير التقارير الى ان المخابرات التركية تعقد اجتماعات دورية مع مع حركة رشاد، بمدينتى إسطنبول وأنطاليا لتامين الدعم اللوجيستى والسياسى بهدف «تقوية التنظيم وتمكينه من الشارع الجزائرى» والعمل على تحريك الخلايا النائمة لهذا التنظيم، الذى تصنفه السلطات الجزائرية على أنه الأكثر تطرفا وخطورة على أمن الدولة
وينظر على نطاق واسع إلى رشاد، التى تعود أصولها إلى عام 2007 على أنها حركة إسلامية محافظة. اثنان من قادتها يعيشان فى جنيف ولندن، كانا ضمن الجبهة الإسلامية للإنقاذ، التى أدت شعبيتها المتزايدة إلى إشعال سنوات من الفوضى والتى كانت على وشك الفوز بالانتخابات الوطنية عام 1991، قبل أن يتمّ حظرها وهو ما أدى إلى تصاعد تمرد المتطرفين وتسبب فى حرب شاملة بين السلطات الجزائرية والحركة استمرت نحو 10 سنوات وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 ألف جزائرى، وخلدت فى التاريخ العربى باسم «العشرية السوداء».
كما أن أحد مؤسسى المجموعة، محمد العربى زيتوت، دبلوماسى سابق مقيم فى لندن، من بين 4 أشخاص، يقال إنهم مرتبطون برشاد، استُهدفوا فى مذكرات توقيف دولية أصدرتها الجزائر فى مارس بسبب مزاعم بخرق النظام العام وأمن البلاد، أما الشخص الخامس، أحمد منصورى، وهو عضو سابق فى الجبهة الإسلامية للإنقاذ فاعتقل بسبب انضمامه إلى جماعة إرهابية فى التسعينيات ثم أطلق سراحه، فقد أعيد اعتقاله فى فبراير لدوره المركزى المزعوم فى المؤامرة، بما فى ذلك تمويل «أنشطة سرية» لرشاد.
فقد كشفت الأجهزة الأمنية الجزائرية منتصف 2019، عن وجود عناصر من “حركة الذئاب الرمادية” التابعة لجهاز المخابرات التركي، في المظاهرات الشعبية، ورصد جزائريون عبر منصات التواصل مشاهد لأحد أعضائها وهو ينقل فيديوهات وصورا من مظاهرات بمحافظة “الجلفة” جنوب العاصمة، قبل أن يختفي عن الأنظار.
وقبلها، سعت أنقرة لاختراق حراك الجزائر عبر أذرعها الإخوانية من تيارات وخلايا نائمة من نشطاء سياسيين وصحفيين، لكنها قوبلت بحملات رفض وطرد شعبية في العاصمة ومحافظات أخرى.
لا يُلدغ المؤمن من الجحر مرتين”.. هكذا قابل الجزائريون جميع محاولات ومخططات الأعوام الأخيرة لتكرار سيناريو “العشرية السوداء”، خاصة فيما يتعلق الأمر ببلد مثل تركيا يدعم نظامها الإرهاب.
“عشرية دامية” توافق معها المشروع التركي ومن ورائه القطري؛ حيث واصل نظام رجب طيب أردوغان، محاولاته لنقل الفوضى من سوريا وليبيا إلى الجزائر.
هذا المخطط رصد له أردوغان مليشيات وأسلحة وأبواقا إخوانية وعملاء، لكن سرعان ما أحبطته يقظة الجيش والأجهزة الأمنية ووعي الجزائريين في حراكهم العام الماضي.
ويرى باحثون ومختصون في التاريخ أن لتركيا “ماض أسود” في الجزائر، بات نقطة قاتمة في مخيلة شعبها المثقلة بخيانات لا يمكن أن تسقطها الذاكرة الجماعية لهم على مر العصور.
العشرية السوداء
كانت أخطر وأدق مرحلة تشهدها الجزائر في تاريخها الحديث، ولايزال الجزائريون يتذكرونها بحسرة وريبة، واتفقت القاعدة الشعبية مع المؤسسة العسكرية طوال أشهر الأزمة التي مروا بها العام الماضي، على رفض تكرار ذلك السيناريو المرعب.
سيناريو نفذه آنذاك تنظيم الإخوان، عقب صعود “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الإخوانية المحظورة إلى المشهد مع الانفتاح السياسي بداية تسعينيات القرن الماضي، مستغلة نقمة الجزائريين من حزب جبهة التحرير الحاكم حينها، ودغدغت مشاعره بخطابات دينية.
غير أنه سرعان ما ظهر أن ذلك الخطاب لم يكن إلا متاجرة بالدين، وطريقاً معبدة للاستيلاء على الحكم بخطاب متطرف يدعو صراحة إلى الإرهاب وحمل السلاح، بعد أن زورت الانتخابات التشريعية والمحلية عامي 1990 و1992.
وبقرار الجيش الجزائري إلغاء المسار الانتخابي، انتقم التنظيم الإخواني من الجزائريين وجيشهم، وأعلن العمل المسلح الإرهابي، وارتكب مجازر بشعة لم يسلم منها حتى الرضع، أسماها الجزائريون فيما بعد بـ«المأساة الوطنية