في خطوة تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية إلى قلب النقاش حول الذاكرة الأمنية المشتركة بين المغرب وإسبانيا، وجّه المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية رسالة رسمية إلى أعلى السلطات التنفيذية والتشريعية في مدريد، مطالباً بفتح تحقيق برلماني شفاف وشامل في سلسلة الهجمات التي استهدفت، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، سفن الصيد العاملة بالسواحل المغربية، وعلى متنها أطقم من البحارة المدنيين الإسبان والمغاربة.
هذه المبادرة تأتي بعد بلاغ المرصد الصادر في 11 غشت الجاري، الذي دعا المجتمع الدولي إلى محاكاة موقف الكونغرس الأمريكي في تصنيفه لجبهة البوليساريو كـ”تنظيم إرهابي”، ما يضع الملف في إطار أوسع يتعلق بتعريف الإرهاب ومعايير مكافحته.
جرح لم يندمل منذ عقود
وفق شهادات الناجين وأسر الضحايا، فقد نُفذت تلك الهجمات بأسلحة ثقيلة، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات، فضلاً عن اختطاف آخرين واحتجازهم في مخيمات تندوف لفترات متفاوتة. وبحسب توصيفات القانون الدولي الإنساني، فإن هذه العمليات تدخل في صميم الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المدنيين.
ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، تشير بيانات السلطات الإسبانية إلى أن 289 مواطناً إسبانياً سُجلوا كضحايا لهذه الهجمات، من دون أن يواكب ذلك فتح تحقيقات برلمانية أو قضائية معمقة، أو إجراءات رسمية تعترف بالضرر الواقع وتحدد المسؤوليات.
أبعاد سياسية وقانونية
تفتح رسالة المرصد باب الأسئلة على مصراعيه:
-
هل يتماشى الموقف الإسباني الحالي من جبهة البوليساريو مع التزامات مدريد الدولية بمكافحة الإرهاب؟
-
إلى أي حد يمكن لبرلمان ديمقراطي أن يتجاهل ملفات دامغة موثقة بشهادات ووثائق رسمية؟
إن المطالبة بالتحقيق البرلماني ليست مجرد خطوة إجرائية، بل هي اختبار لمدى قدرة المؤسسات الإسبانية على مواجهة صفحات مظلمة من تاريخها القريب، حيث تتقاطع السياسة الخارجية مع الأمن القومي ومع حقوق الإنسان.
دروس من التجارب الدولية
لفهم أبعاد هذا الطلب، يمكن النظر إلى تجارب لجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم:
-
جنوب إفريقيا بعد الأبارتهايد، حيث ساهمت التحقيقات العلنية في كشف الانتهاكات وتعويض الضحايا وإصلاح المؤسسات.
-
كولومبيا، حيث فُتح مسار شامل للتحقيق في جرائم المجموعات المسلحة، مع تعويضات وإصلاحات تشريعية.
-
المغرب نفسه عبر “هيئة الإنصاف والمصالحة”، التي أقرت التعويض المادي والمعنوي وإعادة الاعتبار للضحايا رغم حساسية الملفات.