المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية يطالب مدريد بفتح تحقيق برلماني حول هجمات البوليساريو ضد البحارة الإسبان والمغاربة

0
263

في خطوة تتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية إلى قلب النقاش حول الذاكرة الأمنية المشتركة بين المغرب وإسبانيا، وجّه المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية رسالة رسمية إلى أعلى السلطات التنفيذية والتشريعية في مدريد، مطالباً بفتح تحقيق برلماني شفاف وشامل في سلسلة الهجمات التي استهدفت، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، سفن الصيد العاملة بالسواحل المغربية، وعلى متنها أطقم من البحارة المدنيين الإسبان والمغاربة.

هذه المبادرة تأتي بعد بلاغ المرصد الصادر في 11 غشت الجاري، الذي دعا المجتمع الدولي إلى محاكاة موقف الكونغرس الأمريكي في تصنيفه لجبهة البوليساريو كـ”تنظيم إرهابي”، ما يضع الملف في إطار أوسع يتعلق بتعريف الإرهاب ومعايير مكافحته.

جرح لم يندمل منذ عقود

وفق شهادات الناجين وأسر الضحايا، فقد نُفذت تلك الهجمات بأسلحة ثقيلة، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات، فضلاً عن اختطاف آخرين واحتجازهم في مخيمات تندوف لفترات متفاوتة. وبحسب توصيفات القانون الدولي الإنساني، فإن هذه العمليات تدخل في صميم الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المدنيين.

ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، تشير بيانات السلطات الإسبانية إلى أن 289 مواطناً إسبانياً سُجلوا كضحايا لهذه الهجمات، من دون أن يواكب ذلك فتح تحقيقات برلمانية أو قضائية معمقة، أو إجراءات رسمية تعترف بالضرر الواقع وتحدد المسؤوليات.

أبعاد سياسية وقانونية

تفتح رسالة المرصد باب الأسئلة على مصراعيه:

  • هل يتماشى الموقف الإسباني الحالي من جبهة البوليساريو مع التزامات مدريد الدولية بمكافحة الإرهاب؟

  • إلى أي حد يمكن لبرلمان ديمقراطي أن يتجاهل ملفات دامغة موثقة بشهادات ووثائق رسمية؟

إن المطالبة بالتحقيق البرلماني ليست مجرد خطوة إجرائية، بل هي اختبار لمدى قدرة المؤسسات الإسبانية على مواجهة صفحات مظلمة من تاريخها القريب، حيث تتقاطع السياسة الخارجية مع الأمن القومي ومع حقوق الإنسان.

دروس من التجارب الدولية

لفهم أبعاد هذا الطلب، يمكن النظر إلى تجارب لجان الحقيقة والمصالحة عبر العالم:

  • جنوب إفريقيا بعد الأبارتهايد، حيث ساهمت التحقيقات العلنية في كشف الانتهاكات وتعويض الضحايا وإصلاح المؤسسات.

  • كولومبيا، حيث فُتح مسار شامل للتحقيق في جرائم المجموعات المسلحة، مع تعويضات وإصلاحات تشريعية.

  • المغرب نفسه عبر “هيئة الإنصاف والمصالحة”، التي أقرت التعويض المادي والمعنوي وإعادة الاعتبار للضحايا رغم حساسية الملفات.

المعايير الأممية، وخاصة مبادئ الأمم المتحدة بشأن “الحق في معرفة الحقيقة”، تؤكد أن الحقيقة والعدالة والتعويض أركان لا يمكن فصلها إذا كان الهدف هو بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

نحو اعتراف وإنصاف الضحايا

يدعو المرصد إلى الاعتراف الرسمي بمعاناة الضحايا وأسرهم، وإدراج قضيتهم في السياسات الوطنية لمكافحة الإرهاب، بما يشمل مراجعة الموقف الإسباني من البوليساريو انسجاماً مع الممارسات الدولية التي لا تستثني أي طرف من المساءلة.

كما عبّر عن استعداده للتعاون الوثيق مع المؤسسات الإسبانية المختصة، لتوفير كل المعطيات والشهادات الموثقة، بهدف توثيق الحقائق وتضميد جراح الذاكرة المشتركة.

قراءة تحليلية

في سياق التوترات الإقليمية المتجددة حول ملف الصحراء، ووسط إعادة تموضع التحالفات الدبلوماسية، تكتسب هذه المبادرة بعداً استراتيجياً يتجاوز مسألة الإنصاف التاريخي إلى إعادة تعريف الموقف الإسباني من الأمن الإقليمي.

لكن يبقى السؤال الجوهري: هل تمتلك مدريد الإرادة السياسية لإعادة فتح هذا الملف الحساس، أم أن حسابات الحاضر ستظل تهيمن على إنصاف ضحايا الماضي؟