المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية بين التحذير والتحصين: قراءة في بلاغ يضع الاستقرار في صلب المعادلة

0
113

صدر عن المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية بلاغ يعكس حجم القلق الرسمي والأكاديمي مما شهدته بعض المدن المغربية من احتجاجات شبابية تحولت إلى مواجهات وأعمال عنف. البلاغ، الذي اختار لغة صارمة وحادة في توصيف الأحداث، يثير أكثر من سؤال حول كيفية مقاربة الدولة لموجة الغضب الاجتماعي المتصاعد، وما إذا كان التركيز على “التخريب والشغب” كافياً لتفسير المشهد.

بين “الاحتجاج المشروع” و”الأفعال الإجرامية”

المرصد اعترف بداية بأن المظاهرات الشبابية انطلقت للتعبير عن “مطالب اجتماعية مشروعة”، لكنه سرعان ما وضع فاصلاً واضحاً بين لحظة التعبير السلمي ولحظة الانزلاق إلى العنف. هنا يبرز الخطاب الأمني في البلاغ، حيث تم توصيف الأحداث بكلمات مشحونة: “تخريب، نهب، حرق، اعتداء”. وكأن النص أراد أن يغلق الباب أمام أي محاولة لتبرير ما وقع، مؤكداً أن التعاطف مع الشباب لا يمكن أن يمتد ليشمل شرعنة ما وصفه بـ”الأفعال الإجرامية”.

لكن القراءة النقدية تفرض السؤال: لماذا ينحرف احتجاج سلمي نحو العنف بهذه السرعة؟ هل هي هشاشة في قنوات الوساطة الاجتماعية؟ أم أن الأمر مرتبط بما وصفه البلاغ نفسه بمحاولات “خارجية” تستغل هشاشة الداخل عبر حملات تضليل وهجمات سيبرانية؟

لغة التحصين وسياسة الردع

البلاغ لم يقف عند توصيف الأحداث، بل انتقل إلى موقع التحصين والدعوة إلى الردع. فهو يطالب صراحة بتطبيق القانون بحزم، ويجدد مساندته للأجهزة الأمنية، في خطاب يعكس رغبة واضحة في تقوية الجبهة الداخلية. هذه اللغة الأمنية الممزوجة بتحذير استراتيجي، تشير إلى أن المؤسسة التي أصدرت البلاغ لا ترى المسألة مجرد “احتجاج اجتماعي عابر”، بل تعتبرها تهديداً للاستقرار الوطني، قد يتقاطع مع أجندات خارجية.

ما وراء البلاغ: أزمة ثقة؟

الملاحظة الأساسية هنا أن المرصد لم يتطرق إلى جوهر المطالب الاجتماعية التي دفعت الشباب للخروج إلى الشارع. فالبلاغ ركّز على “السلوكيات” ولم يمنح مساحة لـ”الأسباب”. هل يعكس ذلك وعياً رسمياً بضرورة حماية صورة الاستقرار أولاً، حتى قبل مناقشة جذور الأزمة؟ أم أنه مجرد امتداد لخطاب سلطوي يرى في أي تعبير جماعي تهديداً مباشراً للأمن العام؟

ما يخيف في هذا الطرح أنه قد يكرس مزيداً من القطيعة بين الشباب والمؤسسات، خاصة وأن جيل “زد” أبان عن قوة تنظيمية عبر الوسائط الرقمية، وعن قدرة على تحويل الغضب الافتراضي إلى حراك ميداني. وهنا يكمن الخطر الاستراتيجي الذي أشار إليه البلاغ: أن يتحول “الغضب الاجتماعي” إلى نقطة اختراق لصالح قوى خارجية تستثمر في هشاشة الداخل.

بين الواقعية والتخويف

البلاغ إذاً يتحرك بين مستويين:

  • مستوى واقعي يعترف بخطورة أعمال العنف، ويطالب بالحزم القانوني.

  • ومستوى آخر يتوسل خطاب التخويف من “الخارج”، كآلية لشد اللحمة الوطنية خلف المؤسسات.

لكن السؤال: هل يكفي استدعاء “الخطر الخارجي” لامتصاص الغضب الداخلي؟ أليس من الأجدى التفكير في قنوات بديلة للحوار والوساطة تمكن الشباب من التعبير عن مطالبهم دون انزلاق نحو العنف؟

الاستقرار مسؤولية مشتركة

ختم البلاغ بتأكيد أن “الحفاظ على الاستقرار مسؤولية جماعية”، وهي رسالة قد تُقرأ بطريقتين:

  • إما أنها دعوة صادقة لإشراك المجتمع في حماية السلم الاجتماعي.

  • أو أنها تحميل ضمني للمسؤولية للشباب الغاضب، باعتبارهم طرفاً مهدداً للاستقرار.

في الحالتين، يكشف البلاغ أن الدولة – بمؤسساتها ومراكز التفكير المتصلة بها – ترى نفسها في مرحلة تحصين استباقي ضد موجة احتجاجية قد تكبر، وأن المعادلة المطروحة اليوم ليست بين الإصلاح أو التغيير، بل بين الاستقرار والفوضى.

🔹 خلاصة تحليلية
بلاغ المرصد ليس مجرد موقف تقني، بل هو انعكاس لرؤية استراتيجية تعتبر أن الأولوية اليوم هي تثبيت الاستقرار، حتى لو تطلب الأمر تغليب خطاب الردع والتحذير على خطاب الإصلاح والاستماع. غير أن التحدي الحقيقي الذي يفرض نفسه: كيف يمكن حماية الاستقرار دون معالجة جذور الاحتقان الاجتماعي الذي فجّر هذه الاحتجاجات؟