المساعدون التقنيون والإداريون بقطاع الصحة: صوت يتصاعد في زمن الإصلاحات الكبرى

0
344

من التهميش المزمن إلى التكتل النقابي: هل تبدأ فئة “الظل” مرحلة جديدة من الاعتراف والتمكين؟

في زمن يرفع فيه المغرب راية إصلاح المنظومة الصحية الوطنية استجابة للرؤية الملكية السامية، تقف فئة المساعدين التقنيين والإداريين في مفترق طرق بين الانتظارات المشروعة والإقصاء الممنهج الذي رافقها لسنوات داخل دهاليز قطاع الصحة والحماية الاجتماعية.

الاجتماع الذي عقدته النقابة المستقلة لقطاعات الصحة يوم الاثنين 26 ماي 2025 بالرباط، بحضور ممثلين مهنيين عن هذه الفئة، ليس مجرد محطة تنظيمية عادية، بل لحظة مفصلية تكشف عن تحوّل نوعي في وعي هذه الفئة بقدرتها على إعادة تموقعها في المشهد المهني والنقابي، بعد عقود من العمل في الظل، دون اعتراف فعلي بموقعها الحيوي داخل المنظومة الصحية.

من البيان إلى التعبئة: لماذا الآن؟

الإعلان عن تأسيس لجنة تنسيق وطنية لفئة المساعدين التقنيين والإداريين، وتكليف منسق وطني بتمثيلها داخل المكتب الوطني للنقابة، خطوة تحمل في طياتها رغبة في تجاوز الخطاب الاحتجاجي التقليدي نحو بناء تمثيلية فعالة قادرة على التأثير في مسارات الحوار القطاعي. فهل نحن أمام بداية تشكّل وعي نقابي وحدوي داخل هذه الفئة، التي طالما استُخدمت خدماتها دون أن تُصغى لمطالبها؟

السياق الوطني اليوم، المشبع بالحديث عن الإنصاف المهني وربط المسؤولية بالمحاسبة، يضع الفاعل السياسي والنقابي أمام مسؤولية تاريخية: هل يمكن مواصلة تغييب هذه الفئة عن طاولات الحوار الاجتماعي، بينما يُناط بها جزء من البنية التحتية الإدارية والتنظيمية لمستشفيات المملكة؟

الإقصاء الصامت: مَن المسؤول؟

إن ما وصفه المشاركون في الاجتماع بـ”الإقصاء والتهميش الممنهجَين”، لا يمكن اعتباره مجرد تقصير إداري، بل يُطرح كسؤال سياسي أكبر:
هل هناك إرادة حقيقية لدى الوزارة لإدماج هذه الفئة ضمن تصورات الإصلاح؟ أم أن إصلاح المنظومة لا يزال يُفصّل وفق منطق النخب الطبية دون اعتبار لمكونات الدعم التقني والإداري التي تضمن استمرارية العمل؟

ومتى سيعترف صناع القرار بأن نجاح أي منظومة لا يتحقق فقط بالأطباء والممرضين، بل أيضا بمن يديرون الوثائق، وينسقون العمليات، ويمسكون بخيوط التنظيم اليومي داخل المؤسسات الصحية؟

الوحدة النقابية أم تفتيت المطالب؟

اللافت في هذا الاجتماع هو إصرار النقابة على بناء وحدة نقابية شاملة داخل القطاع، تشمل كل الفئات العاملة من دون تمييز. وهي رؤية في غاية الأهمية، لكنها تطرح تحديًا مزدوجًا:

  • كيف يمكن تحقيق الوحدة في ظل تفاوت المطالب والخصوصيات المهنية؟

  • وهل هناك استعداد حقيقي من الفئات المهيمنة داخل المشهد النقابي لفسح المجال أمام المساعدين التقنيين والإداريين للتمثيل والتأثير؟

إن الدعوة إلى وحدة نقابية لا ينبغي أن تكون شعارًا استهلاكيا، بل رؤية استراتيجية تتأسس على عدالة التمثيل والتوزيع المنصف للأدوار داخل الأجهزة النقابية.

أي إصلاح بدون عدالة مهنية؟

تذكير النقابة في ختام بيانها بالفقرة 8 من المادة 2 من القانون الإطار رقم 06.22 ليس مجرد إحالة قانونية، بل تنبيه سياسي واضح إلى أن تحقيق أهداف هذا القانون يمر حتماً عبر تمكين كل الموارد البشرية، بما فيها الفئات التي طالها النسيان لعقود.

فهل يدرك المسؤولون أن الإصلاح الحقيقي لا يكتمل إلا إذا شمل الجميع؟ وأن الاستثمار في الموارد البشرية يبدأ بالاعتراف بها، وليس بتهميشها؟

أسئلة مفتوحة… لا تبحث عن إجابات جاهزة

  • إلى متى سيظل الحوار القطاعي انتقائيًا، يفتح أبوابه لفئات ويغلقها في وجه أخرى؟

  • هل تستطيع النقابات المستقلة، في ظل هذا السياق، أن تقود تحولا نقابيا حقيقيا يقلب موازين التمثيلية داخل قطاع الصحة؟

  • وهل هناك استعداد سياسي حقيقي لإصلاح “علاقات العمل” داخل القطاع، وليس فقط بنياته؟

خلاصة القول:
ما تعيشه فئة المساعدين التقنيين والإداريين اليوم ليس مجرد حراك مطلبي، بل بداية مسار لإعادة تعريف مكانتها داخل المنظومة الصحية. هو صوت جديد، ينادي من الهامش، يطالب بالاعتراف، ويؤمن بأن الإصلاح الشامل لا يكون بإقصاء أحد، بل بشراكة كاملة في البناء.