مدخل: بين النقد الدفاعي والتحليل الموضوعي
مقال المهندس عبد الله أيت شعيب جاء كرد فعل على مقال الزميل الصحفي ريضا عدام الذي وصف المغرب بـ”الانهيار الشامل”. الهدف الأساسي من هذا الرد كان إعادة التوازن إلى خطاب الرأي العام، مع التأكيد على أن النقد حق مشروع، لكنه يجب أن يكون متوازناً ومنظوراً ضمن السياق الدولي والإقليمي.
من المهم توضيح أن هذا التحليل يركز على مضمون المقال وأسلوبه لا على شخص الكاتب، مع احترام كامل لزمالة ريضا عدام وخبرته الصحفية.
السؤال النقدي المركزي: إلى أي حد يمكن لردود الدفاع عن الوطن أن تتحول إلى انتقائية تجعلها تتجاوز النقاش الموضوعي إلى تبييض بعض الإخفاقات أو التقليل من حجم التحديات الحقيقية؟
الانتقائية في قراءة الواقع
أيت شعيب يبرز مجموعة من الإنجازات الوطنية: الطاقة المتجددة، التحول الرقمي، البنية التحتية، الأمن الغذائي… ويضعها ضمن مؤشرات دولية أو قارية:
-
الطاقة المتجددة: المغرب من بين الدول العشر الأولى عالميًا في إنتاج الكهرباء من مصادر نظيفة (وكالة الطاقة الدولية، 2025).
-
التحول الرقمي والشمول المالي: ضمن أسرع خمسة اقتصادات إفريقية نموًا في خدمات الدفع الرقمي (تقرير فينتك إفريقيا، 2024).
-
البنية التحتية: ميناء طنجة المتوسط من أكبر الموانئ في البحر الأبيض المتوسط، والقطار فائق السرعة “البراق” يربط طنجة بالدار البيضاء.
القوة التحليلية: توظيف بيانات البنك الدولي، الوكالة الدولية للطاقة، وتقارير فينتك إفريقيا يعطي بعدًا موضوعيًا ويضع المغرب في سياق عالمي متشابك ومعقد.
السؤال النقدي: رغم هذه الإنجازات، هل يغلق المقال أعين القارئ عن الاختلالات الهيكلية الحقيقية في التعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية والتنمية البشرية؟
قراءة المغرب الآن: هناك ميل طبيعي لأي خطاب دفاعي لتأكيد النجاحات، لكن الصحافة التحليلية يجب أن تعالج الإخفاقات وتضعها في منظور شامل ومتوازن.
التهويل العاطفي مقابل الواقع المعقد
المقال الأصلي استخدم لغة انفعالية: “انهيار”، “جثة”، “سقوط شامل”، وهو ما يمكن أن يثير قراءة مبالغ فيها للواقع.
الرد نفسه ركّز على إبراز المؤشرات الإيجابية، لكن أحيانًا يميل إلى المقابلة بالتهويل المضاد.
السؤال النقدي: هل تحوّل هذا الأسلوب إلى خطاب موازن يعكس الحقيقة الكاملة أم مجرد رد دفاعي مبالغ فيه؟
المنهجية المثلى: عرض الصورة الكاملة يجمع بين الإنجازات والإخفاقات، مع وضع المغرب ضمن مقارنة دولية وإقليمية، دون محاولة تسطيح الواقع.
التناقض الضمني في خطاب الهدم والإنقاذ
أيت شعيب أشار إلى تناقض المقال الأصلي: وصف المغرب بأنه “منهار” ثم طالب بإصلاحات عاجلة.
قراءة المغرب الآن: هذا التناقض يكشف اختلالًا منطقيًا في الخطاب، لكنه يطرح سؤالًا مهمًا: هل يمكن لأي خطاب دفاعي أن يبني الثقة دون الاعتراف بالثغرات الحقيقية بشكل شفاف وواضح؟
البعد الدولي: مقارنات ودروس
أيت شعيب استحضر تجارب دولية لإظهار أن الدول تنهض بالخطاب الإيجابي والقيادة الفعالة:
-
البرتغال بعد أزمة 2011: اعتماد خطاب تعبوي إيجابي رغم إجراءات التقشف.
-
رواندا بعد الإبادة: استخدام خطاب المصالحة والتنمية لإعادة بناء الدولة والمجتمع.
التعليق التحليلي: هذه المقارنات مهمة لإظهار معايير عالمية للقيادة في الأزمات، لكنها تحتاج للربط بالخصوصيات المحلية، أي كيف يمكن للمغرب الاستفادة من هذه الدروس دون تجاهل سياقه الاجتماعي والسياسي؟
نقطة تعزيز: استخدام بيانات الأمم المتحدة وتقارير التنمية العالمية يضع المغرب في سياق متوازن بين المخاطر والإنجازات.
مؤشرات رقمية وجداول مقارنة دولية
المؤشر | المغرب 2025 | متوسط إفريقيا | متوسط دول متقدمة | ملاحظات |
---|---|---|---|---|
مؤشر التنمية البشرية | 0.710 | 0.547 | 0.920 | ضمن التنمية البشرية العالية عالميًا |
إنتاج الطاقة المتجددة | 25% | 12% | 35-45% | تخطيط للوصول إلى 52% بحلول 2030 |
جودة البنية التحتية | المرتبة 3 إفريقيًا | المتوسط 10 | أعلى الدول | يشمل طرق، موانئ، خدمات طاقة |
الشمول المالي (المعامل الرقمي) | 68% | 42% | 90% | توسع سريع في الدفع الرقمي والخدمات المصرفية |
رسوم بيانية مقترحة:
-
تطور مؤشر التنمية البشرية 2010–2025 مقارنة بإفريقيا والدول المتقدمة.
-
نسبة الطاقة المتجددة من إجمالي الكهرباء مقارنة بالدول الإفريقية المتوسطية.
-
نمو البنية التحتية (الطرق، السكك الحديدية، الموانئ) 2010–2025.
الخلاصة: معركة الوعي قبل معركة المؤشرات
مقال أيت شعيب نجح في تصحيح الانطباع الكارثي الذي أراده المقال الأصلي، لكنه يفتح تساؤلات هامة:
-
كيف يمكن تحقيق نقد مسؤول ومتوازن دون الوقوع في الدفاع المفرط أو خطاب التبييض؟
-
هل ينجح الإعلام التحليلي في الجمع بين الاعتراف بالإخفاقات والدفاع عن المكاسب بشكل متوازن؟
-
إلى أي مدى يمكن لهذا النوع من المقالات أن يكون أداة فعّالة لتعزيز الثقة المجتمعية دون إنكار التحديات الحقيقية؟
التحليل العام وفق “المغرب الآن”:
-
قوة المقال: إعادة التوازن، توظيف مؤشرات وطنية ودولية، الدفاع عن صورة الوطن بأسلوب مهني.
-
حدود المقال: ميل للانتقاء في عرض الحقائق، تمجيد الإنجازات أحيانًا دون معالجة نقدية كافية للإخفاقات، اعتماد على خطاب دفاعي أكثر من كونه تحليلًا صحفيًا معمقًا.
-
الرؤية الصحفية: الصحافة التحليلية يجب أن تجمع بين التشخيص الواقعي، الاعتراف بالقصور، قراءة السياق الدولي، وربط كل ذلك بمسؤوليات الدولة والمجتمع، لتصبح أداة حقيقية لفهم الواقع وصناعة حلول مستدامة.