يشير د. الحسن عبيابة، الأستاذ الجامعي والوزير السابق، إلى أن متابعة التاريخ السياسي والاجتماعي للشعوب تكشف بوضوح أن التغيير جزء لا يتجزأ من الدينامية المجتمعية. فالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تطرأ من فترة لأخرى غالبًا ما تفرض إعادة ترتيب الأولويات، وتحريك فئات المجتمع للمطالبة بحقوقها الأساسية. بالنسبة لعبيابة، هذا التحرك ليس أزمة أو استثناءً، بل دليل على حيوية المجتمع واهتمامه بمطالب الحياة اليومية، وهو أمر طبيعي يحدث في المغرب كما في الدول الأوروبية الديمقراطية مثل فرنسا وإسبانيا، حيث التعبير عن المطالب اليومية جزء من الحياة السياسية السليمة.
ويضيف د. الحسن عبيابة أن خروج الشباب، وخاصة جيل Z، للتعبير عن مطالبه الأساسية لا يعني أن المغرب يعيش وضعًا غير طبيعي كما يسوق لذلك أعداء البلاد في الداخل والخارج، بل يجب النظر إليه كجزء من دينامية مجتمعية طبيعية. ومع ذلك، يؤكد أن الدولة تتحمل مسؤولية ضبط الأمن العام وفق القانون، كما يحدث في الدول المتقدمة، ليحافظ على التوازن بين حرية التعبير والاستقرار العام.
ويشير عبيابة إلى مقولة العلماء: “درأ المفسدة مقدم على جلب المصلحة”، موضحًا أن حرية الشباب في التعبير عن نفسه وحقوقه لا تُلغى، لكنها محكومة بالآليات القانونية والدستورية لضمان النظام العام.
وفي قراءة د. الحسن عبيابة، فإن الإصلاح والتغيير يتم عبر الآليات الديمقراطية التي يضمنها الدستور، والمتمثلة في الانتخابات والمشاركة الفعلية للشباب في المؤسسات المنتخبة، سواء على المستوى المحلي أو الوطني. هذه الآلية تتيح للشباب إدخال أفكاره ومطالبه مباشرة في عملية تدبير الشأن العام، بدل الاقتصار على الاحتجاج في الشارع.
المغرب يسير بسرعتين
حسب تحليل د. الحسن عبيابة، أبرز خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش 2025 تشخيصًا دقيقًا للوضع الوطني، مؤكدًا أن المغرب يسير بسرعتين: سرعة عالية للمشاريع الكبرى والبنية التحتية والمبادرات الاستراتيجية الاقتصادية ذات البعد الإقليمي والدولي، وسرعة أقل في التنمية البشرية في بعض المناطق. ووفق عبيابة، هذه الفجوة بين السرعتين تتطلب تدخلًا مكثفًا من المؤسسات التنفيذية، المجالس المحلية، الجهات، البرلمان، والمؤسسات العمومية، بالإضافة إلى المجتمع المدني، لتعزيز التنمية البشرية والحد من الفوارق بين المناطق.
ويشير عبيابة إلى أن المغرب حقق خلال 25 سنة الماضية تقدمًا ملحوظًا على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سواء في المدن أو القرى، بما يظهره التغير في الخرائط العمرانية والطرقية والصناعية. إلا أن هذا الإنجاز لا يعني بلوغ التنمية الشمولية أو تجاوز جميع مؤشرات التنمية البشرية، لكنه يمثل مسارًا صاعدًا رغم التحديات الداخلية والخارجية.
المغرب مقارنة بالعالم
في قراءة علمية معتمدة على تقارير البنك الدولي، يؤكد د. الحسن عبيابة أن معظم دول العالم (حوالي 80–85%) تعيش بسرعتين في التنمية، بما فيها دول متقدمة من مجموعة G20، حيث تظهر فروق بين سرعة المشاريع الكبرى والتنمية البشرية في قطاعات مثل التعليم والصحة. حتى بريطانيا وإسبانيا واليونان شهدت احتجاجات على تدهور القطاعات الحيوية، وخرجت بعض الأطر الصحية إلى الشارع، ما يعكس أن الفجوة بين السرعتين ليست ظاهرة خاصة بالمغرب، بل جزء من التجربة الدولية.
ويضيف عبيابة أن هذه المقارنة الدولية تساعد على وضع الوضع المغربي في سياقه الموضوعي: السرعتان موجودتان في كل مكان، والفرق هو في كيفية إدارة الدولة لهذه الفجوات لضمان استقرار المجتمع واستدامة التنمية.
الآليات الديمقراطية لتعزيز السرعة الثانية
ويشير د. الحسن عبيابة إلى أن تعزيز السرعة الثانية، أي التنمية البشرية، لا يتم إلا عبر الحوار والآليات الدستورية. التجارب الدولية تؤكد أن الديمقراطية ليست مجرد استقرار حكومي دائم، بل قدرة المؤسسات على التكيف والتغيير وفق الظروف: فرنسا شكلت خمس حكومات خلال سنتين دون توقف المؤسسات، وإسبانيا أجرت إعادة الانتخابات ثلاث مرات، وكانت المؤسسات مستمرة في عملها.
وبالنسبة لعبيابة، الحلول الديمقراطية داخل المغرب تشمل: مشاركة الشباب في الانتخابات، تعزيز دور المجتمع المدني، محاربة الفساد الإداري والمالي، ومحاسبة أي لوبي يحاول إقصاء المخلصين. هذه الآليات هي الطريق لضمان أن التنمية الاقتصادية تسير بالتوازي مع التنمية البشرية، وأن المواطن يصبح شريكًا حقيقيًا في الإصلاح الوطني.
الخاتمة: سرعة الوعي الوطني
يختم د. الحسن عبيابة تحليله بتأكيد أن ما يميز المرحلة الراهنة ليس فقط التقدم في المشاريع الكبرى، بل ضرورة تسريع الوعي الوطني. وعي المواطن بالقانون، وفهمه للتحديات والمخاطر، ومشاركته الفاعلة في العملية الديمقراطية، كلها عوامل أساسية لضمان أن التنمية ليست فقط مادية، بل مستدامة وعادلة اجتماعيًا. كما يشير إلى أن المؤسسة الملكية الحكيمة دائمًا في صف الشعب، وتدعم المخلصين، وتحمي المكتسبات الوطنية.
ويخلص عبيابة إلى أن التحدي الأكبر في المغرب هو جعل سرعة الوعي الوطني أقوى من سرعة التنمية المادية، لضمان استدامة الإنجازات وحماية المكتسبات الوطنية، وبناء مجتمع قادر على مواجهة التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بكفاءة.