المغرب عظيم بتاريخه وحضاراته وثرواته الطبيعية والبشرية. فلماذا يهرب المغاربة من بلاد الفيوضات؟ ولماذا يتمنى معظم المغاربة الهجرة إلى الخارج وترك بلاد الخيرات؟ وماذا ينقصهم في أجمل بلد في العالم؟
كشف تقرير صادر عن “المنظمة الدولية للهجرة” أن المغرب بات ضمن قائمة أكثر عشرة بلدان في العالم لناحية عدد المواطنين الذين توفوا في طريق الهجرة نحو القارة الأوروبية.
وبحسب التقرير الذي سلط الضوء على وفيات الهجرة عبر العالم، فقد حل المغرب في المرتبة السادسة عالميًا، ضمن أكثر البلدان التي توفي مواطنوها أثناء محاولة للهجرة.
ووفقًا للإحصائيات المذكورة في التقرير، توفي ما يزيد عن 700 مغربي منذ عام 2014، وهو رقم يتعلق بمن تم التعرف على هوياتهم.
وفي هذا الإطار، توضح نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة عيناني أن تزايد أعداد المهاجرين من المغرب سواء من المواطنين أو من القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء أو بعض الدول الأخرى، يرجع إلى الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتأزم.
وتضيف في حديث إلى “العربي” من العاصمة المغربية الرباط، أن عدد الوفيات زاد بعد تشديد المراقبة على الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن الاتحاد جعل من هذه الدول التي يخرج منها المهاجرون حارسة لحدوده.
وتلفت عيناني إلى أن من العوامل التي تؤدي إلى وفاة المهاجرين، عدم وجود طرق آمنة للهجرة، مشيرة إلى أنه كلما يزداد التضييق وتشديد المراقبة على الحدود، ترتفع حالات الخطر التي تحدق بالمهاجرين.
وتشير إلى أن ظاهرة الهجرة تزايدت بشكل كبير في المغرب، بعد أحداث الريف التي عرفتها البلاد عام 2016، معتبرة أن ارتفاع أعداد الذين يغادرون المغرب في رحلات بحرية خطيرة جدًا، أصبح ظاهرة مقلقة لما يتعرض له المهاجرون من مخاطر.
وترى عيناني أنه يمكن تلافي هذه المشكلة، في حال توافرت الإرادة السياسة لدى سلطات المغرب ليس فقط بتمكين المواطنين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بل من خلال توفير الديمقراطية في البلاد.
وتوضح أن الشباب الذين يسعون للهجرة، لا يقومون بذلك فقط من أجل لقمة العيش وإن كانت على رأس أولوياتهم، بل من أجل حقهم في الحرية نتيجة للأوضاع السياسية في البلاد، على حد وصفها.
قاصرون “يغزون” بلاد الغرب
يهرب الأطفال المغاربة من البلد إلى أوروبا، للحصول على وثائق الإقامة ولتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمادي، وبسبب الفساد والبطالة المتفشية في بلدهم.
تقول الإحصائيات والأرقام إن حوالي 38 في المئة من الأطفال المغاربة الذين تقل أعمارهم عن 17 عاماً يعانون الفقر في مختلف أبعاده، وخاصة المتعلق بالعلاج والتأمين الصحي، والوصول إلى الماء الصالح للشرب، والسكن، والتربية والتعليم (35.3 في المئة منهم) ، وخدمات الصرف الصحي. كما أن من 46 في المئة من الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و17 سنة محرومون من الاستفادة من التغطية الصحية، و53 في المئة من الأطفال تحت سن الأربع سنوات محرومون من هذه الخدمة. كما أن 60 في المئة من المغاربة يعيشون عند خط الفقر من بينهم فئة تعانيه بشكل حاد، كما يعانون من حرمانهم من حقوقهم الأساسية.
لذا يطرح أطفال المغرب السؤال المزعج التالي: أين المفر؟ الجواب الهروب إلى بلاد الغرب علّهم يحصلون على جنسيات دولها. فالجنسية المغربية ا احتلت اليوم الرتبة 123 دولياً ولكن الثامنة ضمن ترتيب أفضل جنسيات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب تصنيف “مؤشر هينلي” ( أشهر ترتيب لأفضل الجنسيات بالعالم 2017).
.. وقد قيل قديما “إذا عُرف السبب بطل العجب”.. لذا عُرف لماذا رفع المغاربة شعار” الشعب يريد إسقاط الجنسية” خلال الحراك الاحتجاجي الذي يعم البلد.
أرغم “إملاق” (بلغة قبيلة “لخم”، وهو الجوع)، أطفال المغرب على الهروب إلى أوروبا فوصل 6414 قاصراً بشكل غير نظامي إلى إسبانيا في عام 2017، بزيادة قدرها 64 في المئة مقارنة بعام 2016 ، وفقاً لإحصائيات منظمة « Save the Children ».
وشكل عدد الأطفال المغاربة غير المصحوبين الذين تسللو إلى إسبانيا 70 في المئة من مجموع 7145 طفلاً غير مصحوب من مختلف الجنسيات، حسب مع صحيفة “إلبايس” الاسبانية، ما دفع حاكم مليلية الاسباني (محتلة) إلى رفض تسجيل القاصرين المغاربة غير المرافقين من أهلهم بالمدارس، وطالب بترحيلهم.
في المغرب ينتشر الفساد والبيروقراطية والمبالغة في بناء المساجد وسط أحياء الصفيح وقرى المغرب العميق المطحون التي لا تتوفر على مستشفيات ولا طرق ولا ماء ولا كهرباء ولا مراحيض. وتفوق ميزانية بناء المساجد ميزانية قطاع الثقافة بالمغرب العجيب، ويشيد في البلد ما بين 160 و 200 مسجد سنويا، وهو ما يعادل تقريبا معدل المدارس المغلقة بالبلد اليوم.
موظفون يسعون لمغادرة البلد
وفي وقت يُعاني القطاع الصحي في المغرب من نقص في الكوادر الصحية، ترتفع نسبة هجرة الممرضين إلى الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر قد يكون من الصعب تعويضها، لا سيما بعد أزمة تفشي فيروس كورونا.
وفي السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّرت مصادر صحية مسؤولة في مدينة مكناس (وسط المغرب) من خطر يهدّد القطاع الصحي من جراء الارتفاع المقلق والمخيف في عدد الممرضين والأطباء الذين تركوا مناصبهم في مستشفيات المدينة على فترات متقطعة، سواء في المستشفى الإقليمي محمد الخامس بمكناس أو بعض المؤسسات الصحية التابعة له.
ونهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف مسؤول صحي رفض الكشف عن اسمه أنّ “13 ممرضاً وممرضة يعملون في المستشفى الإقليمي محمد بوافي بالدار البيضاء هاجروا دفعة واحدة إلى كندا”.
ومن بين الأسباب التي تدفع الممرضين إلى الهجرة، غياب التأطير القانوني لمهنة الممرض، إذ أن قانون المزاولة ما زال حبراً على ورق ولم يدخل حيز التنفيذ منذ صدوره عام 2016.
لا بد، علاوة على ما سبق وقيل، من تأميم الدولة المغربية للمدارس والمستشفيات وضمان التعليم الجيدة والصحة والشغل للمغاربة. وتوعية المغاربة بأهمية بناء المدارس والمستشفيات ومراكز تعليم اللغات الحية، ومساعدة الأرامل ودعم المطلقات واليتامى، عوض التشجيع الهائل للذهاب إلى المشرق للسياحة الدينية بأموال خيالية. يقول أحد الحكماء ” من أراد أن يحج فليحج في جيرانه وأهله وبؤساء بلده”. والمراد هنا أن يتصدق بالأموال التي سيخصصها للشعيرة التي تدر ذهباً على أهله وجيرانه واليتامى والأرامل. ولا بد من جعل العلاقة بين الدولة وحاملي المشاريع الممولة من أموال دافعي الضرائب ( “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” أنموذجاً) عمودية لا أفقية، لأنه تبين أن المستفيد من أموال المبادرة هم فلان وعلان وسمان والقادة، لا المغاربة المطحونون المفقّرون والمهمشون.