المغرب كقوة إقليمية: استراتيجيات الملك محمد السادس للتوسع في أفريقيا من خلال شراكات اقتصادية وتنموية

0
118

المغرب ومبادرة دول الساحل: فتح آفاق جديدة

في نيويورك، وعلى هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، اجتمع ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، مع نظرائه من دول الساحل الأفريقية (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، وتشاد) لمناقشة مبادرة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج هذه الدول إلى المحيط الأطلسي.

المبادرة تمثل خطوة مهمة في دعم اقتصادات هذه الدول، التي تفتقر إلى المنافذ البحرية وتواجه تحديات اقتصادية كبيرة. وبذلك، تمنحها هذه المبادرة إمكانية تنويع مصادرها الاقتصادية والانخراط في التجارة العالمية.

وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، أكد على أهمية هذه المبادرة، واصفًا إياها بأنها “استراتيجية جد هامة”. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف ستتمكن دول الساحل من استثمار هذا الولوج إلى المحيط الأطلسي لتعزيز اقتصاداتها ومواجهة التحديات التنموية التي تواجهها؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر في التحديات اللوجستية، التمويلية، والسياسية التي تعترض هذا المشروع الطموح، إضافة إلى ضرورة التنسيق الوثيق بين المغرب ودول الساحل لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.

خارطة طريق مع اتحاد نهر مانو: توسيع الشراكات

على صعيد آخر، وقّع المغرب اتفاقية هامة مع دول اتحاد نهر مانو (الكوت ديفوار، غينيا، ليبيريا، وسيراليون)، تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد، الاستثمار، الأمن، التعليم، والتكوين المهني. هذه الاتفاقية تأتي كجزء من استراتيجية المغرب في توسيع نفوذه في القارة الأفريقية خارج نطاق علاقاته التقليدية مع دول غرب أفريقيا مثل السنغال والغابون.

محمد شقير، المحلل السياسي، يرى أن هذه الخطوة تأتي كجزء من توسع المغرب في علاقاته مع دول إفريقية جديدة خارج مجال نفوذه التقليدي. ويضيف أن المغرب أصبح يلعب دورًا محوريًا في إنهاء الصراعات في المنطقة، كما حدث في وساطته بين سيراليون وليبيريا عام 2002، مما ساهم في إرساء السلام واستعادة الثقة بين الدولتين.

الدبلوماسية المغربية: استراتيجية الربح المتبادل

تعد الشراكات المغربية مع دول الساحل واتحاد نهر مانو جزءًا من رؤية أكبر تعتمد على تعزيز التعاون الإقليمي وفق مبدأ “رابح رابح”. المغرب رسّخ نفسه كبوابة إلى أفريقيا من خلال المبادرات التنموية التي أطلقها، مثل المبادرة الأطلسية لتعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ما يؤكد أهمية المغرب في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين شمال وغرب أفريقيا.

تحديات وفرص

ورغم الترحيب بالمبادرات المغربية في أفريقيا، يواجه المغرب تحديات كبيرة في تنفيذ هذه الاتفاقيات الطموحة. يتعين على المغرب ودول الساحل واتحاد نهر مانو تعبئة الموارد المالية والبشرية اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة. السؤال هنا: هل سيتمكن المغرب من توفير الدعم اللازم لضمان تنفيذ هذه المشاريع بشكل مستدام؟ هذا السؤال يستدعي النظر في الشراكات مع المجتمع الدولي والمؤسسات التمويلية لدعم هذه الجهود.

المغرب كفاعل إقليمي ودولي

من خلال هذه الاتفاقيات والمبادرات، يعزز المغرب مكانته كفاعل إقليمي محوري في أفريقيا. فالتوسع في الشراكات، سواء مع دول الساحل أو مع اتحاد نهر مانو، يعكس رؤية الملك محمد السادس لتكريس التعاون جنوب-جنوب كأحد الركائز الأساسية لاستراتيجية المغرب في القارة. ويمثل هذا التحرك فرصة لتعزيز الاستقرار والتنمية في المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية وتحديات اقتصادية.

نظرة مستقبلية

مستقبل العلاقات بين المغرب ودول الساحل واتحاد نهر مانو يعتمد إلى حد كبير على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز التحديات وتنفيذ هذه المشاريع بفعالية. وفي الوقت الذي تتطلع فيه دول الساحل واتحاد نهر مانو للاستفادة من التجربة المغربية في التنمية والإصلاح، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى سيسهم التعاون المغربي الأفريقي في تحقيق تنمية مستدامة وشاملة تعزز من استقرار وازدهار المنطقة؟

في الختام، يمكن القول إن المبادرات المغربية في أفريقيا تمثل نموذجًا مبتكرًا للتعاون الإقليمي القائم على المنافع المتبادلة والاحترام المتبادل، وهو نموذج يمكن أن يكون رافدًا مهمًا لتحقيق التنمية والسلام في القارة الأفريقية.