اليسار : المغرب لا يتوفر على سياسة المدينة، فلا مجال للحديث عن تنافسية المدن بسبب تهميش المؤسسات المنتخبة

0
213

كشف عبد السلام العزيز المنسق الوطني لتحالف فيدرالية اليسار، أن المغرب لا يتوفر على سياسة المدينة، فلا مجال للحديث عن تنافسية المدن، بسبب تهميش المؤسسات المنتخبة، حيث القرارات الكبرى تتخذ خارج هذه المجالس، على غرار القرارات الكبرى تتخذ خارج الحكومة”.

وقال منسق اليسار المغربي، في مداخله له بمناسبة لقاء تواصلي نظمه تحالف فيدرالية اليسار بأكادير، ليلة السبت/الأحد 10 أبريل الجاري، بمركب خير الدين بمدينة أكادير، أن “المجالس المنتخبة أداة لممارسة الديمقراطية التشاركية، كما نص على ذلك دستور 2011 وإن كان الواقع العملي على خلاف ذلك”.

وبسّط  ما أسماه “مظاهر الأزمة الخانقة التي تعرفها بلادنا في مستوياتها الإقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أن لوبي الشركات الكبرى أصبح متحكما في القرار السياسي بالمغرب، من خلال الحكومة والبرلمان، بل وفي مؤسسات دستورية كمجلس المنافسة”.

وأشار  إلى أن “كل حكومات العالم اتخذت تدابير لمواجهة غلاء الأسعار والأزمات الاقتصادية التي تواجهها شعوبهم، إلا حكومة بلادنا التي لم تكترث بما يحصل، لا تخدم سوى أجندات لوبي المحروقات وما شابههم”، وفق تعبيره.

تعتبر المدن في العديد من الدول المتطورة قاطرة للنمو الاقتصادي والإنتاج والمنافسة في ظل العولمة الاقتصادية والثقافية ، بحيث تعد مجالا وقطبا للتنمية والاندماج الاقتصادي والاجتماعي ومجالا لتوطين الشركات المنتجة للثروة والرأسمال المادي، مما يؤثر ذلك على الساكنة الحضرية التي تستفيد من ثمار التنمية.

موازاة مع ذلك فالمدن في الدول النامية ومنها المغرب، بقيت متأخرة عما حصل من تطور وتنمية في المدن الغربية ، بحيث أن القائمين على الشأن الحضري في بلدنا لم يقوموا على تهيئة وتطوير المدينة بالشكل الذي يضمن خلق شروط وآليات توفير عيش كريم للمواطنين في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، هدا يرجع أساسا إلى النهج الذي اتبع مند عقود في تسيير المدن ، بحيث أن المنطق التدبيري كانت تغلب عليه المقاربة الأمنية بدلا من المقاربة التنموية في ظل ضعف انخراط المؤسسات المنتخبة والمدبرة لشأن المدينة وقلة المبادرات والمشاريع التنموية،علاوة على قلة ومحدودية الموارد المالية  وأيضا الموارد البشرية النوعية. كل ذلك ساهم في تضييع فرص النمو والإقلاع بقاطرة التنمية في كل المجالات وخاصة البشرية ، مما جعل المدن تعيش أزمة هيكلية في كل أبعادها التدبيرية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية .

إن مفهوم تدبير المدينة يعني إدارة الشؤون المحلية (الاقتصادية والاجتماعية) وبرمجتها بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة سواء تعلق الأمر بالتدبير اليومي أو المستقبلي وتحقيق التوازن بين المتطلبات والإمكانيات خصوصا أن الحاجيات في تزايد مستمر، فهي بصيغة أخرى تفيد مدى قدرة المؤسسات والأطراف الفاعلة في حقل المدينة على إدارة الموارد المالية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها ، ووضع مخطط للتنمية على المدى القصير والبعيد،  بما يسهم في تغيير الأوضاع في المدينة وتحقيق التنمية المستدامة لساكنتها.

فالمدينة كظاهرة حضرية تعرف العديد من الإشكاليات   والصعوبات على مستوى التدبير والإعداد، وهي إشكاليات حقيقة لم تكن وليدة الحاضر بل كان منشؤها مند عهد الحماية الفرنسية، التي نهجت سياسة حضرية تمييزية ، بحيث أنشأت المدن الحديثة واستقطبت الاهتمام سواء من حيث التجهيزات الأساسية والاستثمارات، وشجعت بالتالي الهجرة إليها بينما دخلت المدن العتيقة في دائرة الإقصاء.

وبعد الاستقلال شهدت المدن المغربية (الكبرى والصغرى)، على إثر النمو الديمغرافي والهجرة القروية توسعا كبيرا الشيء الذي أصبحت معه البنية الاجتماعية معقدة ، وأصبح معه كذلك تدبير المدن المغربية مشكلا متعدد الأبعاد اجتماعيا واقتصاديا ، وحتى سياسيا بسبب المشاكل الناجمة عن التدهور والانحطاط الحضري والتطور الفوضوي، والتوزيع غير المتوازن للتجهيزات وغير ذلك من مظاهر التخلف الحضري، وهي آثار لازالت تعاني منها المدن المغربية إلى اليوم، بالرغم من الجهود المبذولة من طرف السلطات المركزية والمحلية من أجل الرفع من مستوى تدبير الشأن المحلي وتحقيق التنمية المحلية والوطنية على حد سواء.

والواقع يبين أن تدبير المدن يعاني من عدة إكراهات متعددة يمكن تصنيفها إلى إكراهات تتعلق بالتسيير المالي والإداري ..) وأخرى تتعلق بضعف التجربة وتواضع مردودية الاختيارات المالية، وقلة المبادرات الاقتصادية والاجتماعية وانعدام التخطيط والبرمجة وتدني مستوى التسيير الجماعي، كل ذلك جاء موازاة مع ارتفاع نسبة التمدين التي أثرت سلبا على تدبير المدينة .

   هذه الصعوبات ظلت تلازم المدن على الرغم من انطلاق تجربة الجماعات المحلية التي تعنى أساسا بتدبير وتهيئة المجال، وذلك مند الميثاق الجماعي لسنة 1976 مرورا بتجربة وحدة المدينة التي جاءت مع الميثاق الجماعي لسنة   2002 والتي كانت تهدف إلى تجاوز حالة التشرذم التي تعيشها المدن المغربية ، وذلك بخلق مركز قرار يتوفر على الشرعية وعلى الإمكانيات للتحكم في آليات تنفيذ تصور شامل أي خلق إرادة سياسية واحدة داخل المدينة وهي المتمثلة في مجلس المدينة  وانتهاء بقانون 79.00[1] المعدل لقانون 78.00 المتعلق بتنظيم الجماعات الحضرية والقروية.

  بالرغم من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي قامت بها السلطات العمومية، فتدبير المدينة لازال محكوما بتعدد المتدخلين في صناعة القرار.فالعديد من الأطراف الإدارية ( المجالس الجماعية، العمالات، الولايات، الوكالات الحضرية، مديريات التعمير…إلخ) ساهم من جهة في تداخل الاختصاصات بين هده البنيات وضعف التنسيق بينهم، ومن جهة أخرى أدى إلى تضخم المصالح الإدارية وتعقد المساطر، والحصيلة كانت هي هدر 00المزيد من الجهود البشرية والمالية، والإسهام في تفتيت وتشتت المشهد الحضري . مما يوضح أن دور هذه المكونات الإدارية محدودا في تنمية المدينة، إن لم نقل أنها أصبحت مصدرا رئيسيا للاختلالات وعبئا ثقيلا يعيق تقدمها وتطورها.

إن ضعف الحكامة التي تتجلى غالبا في سوء التدبير وقلة التخطيط وعدم وضع تصور شمولي لإشكاليات المدينة أدى إلى ظهور عدة صعوبات وإكراهات على عدة مستويات نجملها فيما يلي؛

أولا؛على المستوى العمراني:  

إن التمدين السريع الذي عرفته العديد من المدن المغربية، والتطور العمراني الكبير، وانتقال المجالات الضاحوية من الظاهرة القروية إلى الظاهرة الحضرية . بمعنى أخر أن عملية التحضر أو ما يسمى بالحركية الحضرية la mobilite urbaine)) أدت إلى اتساع وامتداد المدينة على الأراضي الفلاحية والغابوية أحيانا، مما انعكس سلبا على الهامش وخلق تباينات وتناقضات اجتماعية، بحيث أصبح المجال الهامشي موطنا للساكنة الفقيرة، وبالتالي نكون أمام تعمير رسمي يوفر للمركز شروط ومتطلبات التجهيز والعيش الكريم، موازاة مع تعمير تلقائي أو غير مراقب يتجاهل أبسط قواعد التعمير في الهامش.

يظهر ذلك خاصة في ضواحي المدن حيث تنشط السوق العقارية غير الرسمية والتي تتميز بانعدام التجهيز وتزايد المضاربة العقارية التي تؤدي إلى ارتفاع الثمن، وهذا ما يشجع على ظهور أحياء السكن العشوائي والسري أو أحياء الصفيح التي تلجأ إليها الفئة الأكثر فقرا من المواطنين والدين يدفعهم المستوى الاقتصادي إلى اللجوء إلى هذه المناطق، ويزيد من حدة نمو هده المناطق السكنية تزايد أفواج المهاجرين القرويين.

  تشير الإحصائيات في هدا الصدد إلى أن 540 ألف أسرة  لازالت تقطن بمساكن عشوائية و100 ألف تقطن بمساكن آيلة للسقوط و 230 ألفا تقطن بدور الصفيح.[2]

وهكدا فأطراف المدن تصبح مجمعا لأدنى فئات المجتمع، ويمكن إجمال أهم سمات هذه المجالات:

  • التهميش، الفقر، والبطالة واللامبالاة

  • معظم سكان هده المناطق يعملون بالقطاع غير المهيكل

  • لا يرون في التعليم أسبابا اقتصادية مجدية

  • هذه المناطق تعج بالمشكلات البيئية والاجتماعية والأمنية والصحية .

 إضافة على ما سبق ذكره فالنمو العمراني أدى أيضا إلى بروز مدن صاعدة ومراكز متوسطة ما تلبث أن تصبح أمرا قائما ، تحمل مطالب وتحديات اقتصادية واجتماعية ، تدفع بالسلطات المركزية والمحلية التدخل لأجل تلبية حاجياتها وتنظيمها وتوفير المرافق الضرورية .

   إن التوسع العمراني العشوائي أصبح إحدى السمات الأساسية للمدن المغربية بكل أحجامها وهو تعبير بامتياز عن غياب التنظيم الحضري ، على حد أصبحت معه صورة المدن مرتبطة بالفوضى التي تعم هوامشها الخارجية والداخلية ، فنمو المدن يؤدي إلى تفاقم عدة مشاكل يصعب إيجاد حلول لها ، ومن ضمنها توسع الحواضر.

فتوسع المجال الحضري الذي يتم على حساب الفرص العقارية والمبادرات الفردية تنتج عنه خسائر فادحة في مجال الأداء الحضري من خلال تعميق مشاكل التنقل، وكلفة التجهيز، والزحف على المناطق الريفية، وزيادة الطلب على المرافق العمومية ، وتدهور البيئة الطبيعية.

   إن التمدد الحضري الذي أصبح عاملا لإعادة إنتاج الحلول الفردية على حساب التنظيم الحضري الرسمي العام، يفرض على المدبرين المحليين وعلى الساكنة نموذج تمدن جد مكلف، على المدى القصير والطويل، وذلك بالنسبة للمجتمع ككل..

   فالعديد من المدن توسعت بشكل كبير (الدار البيضاء، الرباط، سلا، تمارة، مراكش، أكادير ، طنجة ، تطوان، الناظور، الجديدة…) كمظهر يعبر من جهة عن عدم التحكم في التوسع الحضري وضعف المراقبة من لدن الفاعلين والمسيرين المحليين ، ومن جهة أخرى بسبب عدم ملائمة أدوات التعمير لسرعة تطور المجتمع وعجز التدبير الحضري على الاستجابة للطلب المتزايد على التجهيزات الجماعية كالنقل والماء الصالح للشرب وجمع ومعالجة النفايات .

 ثانيا : على المستوى الاجتماعي

إن ارتفاع نسبة التمدن الذي يفوق اليوم نسبة 65 % نتيجة ارتفاع النمو الديمغرافي والهجرة القروية، إضافة إلى انتشار الأمية وانعدام الوعي ، شكل تحديا أمام مدبري الشأن المحلي في مواجهة هده التحديات الاجتماعية ومواجهة الخصاص الكبير في المرافق والتجهيزات العمومية. وأدى إلى ظهور أحزمة فقر بضواحي المدن من خلال تمركز أحياء وتجمعات تنقصها الوحدات التي تعنى بالتأطير الصحي والتعليمي وقلة مرافق القرب، أي أنها بصفة عامة تعاني من ضعف جودة الحياة الحضرية .

هذه التحولات في الأنماط الحضرية ساهمت في إبراز فوارق اجتماعية صارخة وتمايزات مجالية ، ومشهد واضح للعيان للفوارق الاجتماعية في جانب يمثل الغنى والرفاهية ، ومشهد آخر يمثل القبح والفقر والتهميش وهذا ما أفرز صراعات ثقافية واجتماعية بل سياسية أحيانا. وخلق فضاءات ينشط فيها القطاع غير المهيكل والباعة المتجولين الدين يحتلون الشوارع والأزقة العمومية حتى أصبحت المدينة عبارة عن أسواق منتشرة في كل مكان، زد على ذلك ظاهرة النقل السري التي لم تقدر السلطات حتى اليوم على مواجهتها وخلق وسائل نقل مريحة ولائقة بالمواطنين.

 وبالتالي أصبحت العديد من المدن أو بالأحرى المجالات الهامشية فضاءات لقلة أو انعدام الأمن والفقر الحضري والبطالة وقلة فرص الشغل.

فحسب تقرير صدر سنة 2014 عن المندوبية السامية للتخطيط،فإن معدل البطالة يقترب من 10% وقد انتقل من 14%إلى 14.5%، ومن 3,7% إلى 4,7% بالوسط القروي ، مبرزة أن هدا المعدل انتقل لدى الشباب المتراوحة أعمارهم مابين 15 و24 إلى 20,6% ولدى حاملي الشهادات إلى 16,8%.

كما أن أمرا لا يقل أهمية عن سابقيه ، وهو التأكيد على عدم وعي العديد ممن المواطنين، وضعف انخراطهم في تنمية المدن ويتعلق الأمر برمي الأزبال المنزلية التي تشوه شوارع وأزقة المدن وحتى الرئيسية منها، لأن بعض المواطنين تسيطر عليهم فكرة أن الجماعة هي المكلفة بالنظافة، وأنهم يدفعون الضرائب، لذلك غير آبهين بالأخطار التي تحدق بالصحة العامة، كما أن هناك نوع آخر من المواطنين لهم سلوكات انتقامية وعدوانية، كالشباب العاطل (في الأحياء الشعبية) حيث يقومون بتخريب وإتلاف التجهيزات العمومية من قبيل كراسي الحافلات العمومية، وإتلاف المناطق الخضراء والحدائق العمومية، وحتى المصابيح.

فتدني المستوى الثقافي والاقتصادي لسكان المدينة يشكل عبئا ثقيلا أساسيا

لا يقل أهمية عن المشاكل التي ذكرناها ، مما يشكل تحديا أمام المسؤولين عن تدبير المدن بحيث يتقل كاهل الجماعات الترابية بأعباء الصيانة، ويقلل بالتالي من فرص التنمية .