المغرب والآسيان: شراكة استراتيجية واعدة في عالم متغير

0
241

في عالم يشهد تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة، تتجه أنظار المغرب صوب بناء شراكات استراتيجية جديدة تعزز موقعه الإقليمي والدولي. ومن بين هذه الشراكات، تبرز العلاقة المتنامية مع رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروفة بـ”آسيان”، التي تضم عشرة من أسرع اقتصادات العالم نمواً، لتشكل بذلك محورًا جديدًا في السياسة الخارجية المغربية القائمة على التنويع والانفتاح.

في مقال شامل بعنوان “المغرب والآسيان: شراكة استراتيجية واعدة”، يقدم الباحث في العلاقات المغربية الآسيوية د. فؤاد الغزيزر رؤية متكاملة حول أبعاد هذه الشراكة، مستعرضًا التطورات الأخيرة، والفرص التي تنطوي عليها، بالإضافة إلى التحديات التي قد تواجهها. وفي هذه القراءة الصحفية المتعمقة، نستعرض أبرز محاور هذا المقال، ونفتح النقاش حول دلالاته المستقبلية.

احتفال الذكرى 58 للآسيان في الرباط: نقطة انطلاق لاستراتيجية متجددة

اختار المغرب أن يحتفي في الرباط، يوم 9 غشت 2025، بذكرى تأسيس رابطة الآسيان، من خلال مراسم رفع العلم وبازار ومهرجان ثقافي، مما أعطى لهذا الحدث بعداً ثقافياً وشعبياً إلى جانب طابعه السياسي والدبلوماسي.

هذا الاحتفال ليس مجرّد مناسبة رسمية بل رمزٌ لاهتمام المغرب المتزايد بهذه الرابطة التي تمثل اليوم خامس أكبر اقتصاد عالمي، مما يعكس رغبة جادة في توطيد العلاقات وتعميق التعاون في مجالات متعددة.

قراءة في دلالة الاحتفال

في ضوء التنافس الاقتصادي العالمي والاضطرابات التي تشهدها الأسواق الدولية، يبرز هذا الاحتفال كخطوة رمزية هامة تترجم استراتيجية متقدمة للمغرب في بناء تحالفات جديدة بعيدة عن الأطر التقليدية التي كانت تركز في السابق على أوروبا وأمريكا. فالاحتفال يعكس اهتمام المغرب بتوسيع آفاقه إلى آسيا وخصوصاً جنوب شرقها، وهو ما يشكل نقطة ارتكاز في الرؤية الملكية لتقوية التعاون جنوب-جنوب.

من معاهدة الصداقة إلى شريك حوار قطاعي: مسار تطور العلاقات

يعود انضمام المغرب إلى معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة الآسيان إلى سنة 2016، غير أن هذه الخطوة تعد فقط البداية في مسار تطويري واضح. فقد حصل المغرب في شتنبر 2023 على صفة “شريك حوار قطاعي”، وهو وضع يمكنه من التعاون في مجالات محددة تشمل التجارة، التعليم، الطاقة، البيئة، الأمن الغذائي، والثقافة.

تحليل لهذه المرحلة

يمثل حصول المغرب على هذه الصفة اعترافًا رسميًا بدوره الفاعل وإمكاناته كشريك استراتيجي، ليس فقط من الناحية الجغرافية بل أيضاً في مستوى الطموح السياسي والاقتصادي. إن هذه الخطوة تسمح للمغرب بتعزيز وجوده في سوق آسيان المتنوع والمتقدم اقتصادياً، كما توفر له فرصة المشاركة في رسم سياسات وتوجهات مؤثرة على الصعيد الإقليمي والدولي.

أسئلة للنقاش

  • ما هي المعايير التي اعتمدتها رابطة الآسيان لاختيار المغرب كشريك حوار قطاعي؟ وهل يتماشى ذلك مع تطلعات المغرب السياسية والاقتصادية؟

  • كيف يمكن للمغرب استثمار هذه الصفة في توسيع صادراته وتنمية استثماراته في دول الآسيان؟

  • هل هناك إرادة سياسية ومؤسساتية كافية داخل المغرب لترجمة هذا الامتياز إلى شراكات اقتصادية ملموسة؟

برنامج التعاون العملي 2024-2028: خارطة طريق تتجاوز العلاقات الدبلوماسية

في أبريل 2024، اعتمدت مجموعة الآسيان برنامج التعاون العملي بين الآسيان والمغرب للفترة 2024-2028، والذي يضم 32 إجراءً ملموسًا في مجالات متعددة منها الحكم الرشيد، سيادة القانون، التجارة، النقل، الأمن الغذائي، التعليم، التنمية الشبابية، الرفاه الاجتماعي، وربط المدن الذكية.

قراءة نقدية في مضمون البرنامج

يمثل هذا البرنامج خطوة جوهرية نحو ترسيخ التعاون في نطاق أوسع من مجرد العلاقات الثنائية الدبلوماسية، إذ يفتح آفاقًا أمام شراكات عملية تحقق نتائج ملموسة على الأرض. ويعكس هذا التوجه حرصًا على تعزيز القدرات المؤسسية، وتحسين جودة الحياة، وربط الاقتصاد التقليدي بالتقنيات الحديثة مثل المدن الذكية.

لكن السؤال المطروح هو حول قدرة المغرب على تنفيذ هذا البرنامج بكفاءة، خاصة في ظل تحديات البنية التحتية والموارد التي تواجهها بعض القطاعات، إضافة إلى ضرورة التنسيق بين مختلف الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص.

تحديات التنفيذ

  • هل تتوفر آليات رصد وتقييم تقدم تنفيذ البرنامج؟

  • كيف سيتم ضمان مشاركة الفاعلين الاقتصاديين والمجتمعيين في تفعيل هذه الإجراءات؟

  • ما دور التمويل الدولي والمحلي في دعم هذه المشاريع؟

زيارة الأمين العام لرابطة الآسيان: مؤشر لعمق العلاقات وتعزيز الحوار

أجريت زيارة تاريخية من طرف الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا، السيد كاو كيم هورن، إلى المغرب في يونيو 2025، وهي الأولى من نوعها إلى المغرب وإفريقيا. وتخللت الزيارة لقاءات رسمية، زيارات ميدانية، ومحاضرات تفاعلية، وهو ما يعكس مستوى متقدمًا من التواصل والحوار.

ما تعنيه الزيارة

تدل هذه الزيارة على أن العلاقة مع المغرب باتت تحتل مكانة مركزية في أجندة الآسيان، وهو اعتراف بموقع المغرب كبوابة حيوية للتواصل مع إفريقيا والشرق الأوسط. كما أنها توضح رغبة الطرفين في تعزيز التبادل الاقتصادي والتقني والثقافي، وتجسد التزامًا مشتركًا بالعمل من أجل السلام والتنمية المستدامة.

ملاحظات وتحليل

هذه الخطوة لم تكن فقط بروتوكولية، بل شكلت منصة للحوار حول قضايا إقليمية ودولية، مما يؤكد على تداخل الأبعاد الاقتصادية والسياسية في هذه الشراكة. وتعكس كذلك حرص المغرب على استغلال كل فرصة لتعزيز مكانته كفاعل دولي ودبلوماسي في مناطق جغرافية متعددة.

آفاق التعاون ومستقبل الشراكة: إمكانيات وتحديات

يؤمن قادة الآسيان أن مواجهة التحديات العالمية، مثل التقلبات في التجارة العالمية ورفع الرسوم الجمركية، تتطلب تنويع الشراكات الاقتصادية، مما يمنح المغرب فرصة كبيرة ليكون لاعبًا رئيسيًا في هذه الدينامية.

فرص استراتيجية

  • توقيع اتفاقية تجارة حرة بين المغرب والآسيان، التي قد تفتح أسواقًا جديدة للمغرب، وتُعزز صادراته.

  • المشاركة في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، التي تُعد أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم، ما يوفر فرصة لاستفادة المغرب من ديناميكية الأسواق الآسيوية.

  • تنفيذ مشاريع ملموسة في المجالات التي اقترحها المغرب مثل الزراعة، الأمن الغذائي، الاقتصاد والتجارة، التغير المناخي، والتنمية المستدامة.

التحديات

مع هذه الفرص الواسعة، تظهر تحديات تتعلق بالاستعداد التقني، والتوافق القانوني، والقدرة على منافسة الشركات الآسيوية المتقدمة، بالإضافة إلى ضرورة توفير بنية تحتية حديثة تلبي متطلبات هذه الشراكة.

أسئلة جوهرية

  • هل سيجد المغرب الموارد اللازمة لتطوير القطاعات الإنتاجية وتحديث بنيته التحتية؟

  • كيف يمكن توسيع دائرة المستفيدين من هذه الشراكة لتشمل الشباب والقطاع الخاص؟

  • ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات التعليمية والبحثية في تطوير هذه العلاقة؟

الشراكة جنوب-جنوب: بعد سياسي استراتيجي

يضع د. فؤاد الغزيزر هذه الشراكة ضمن رؤية ملكية أوسع، تدعو إلى تعزيز التعاون جنوب-جنوب كخيار استراتيجي للمغرب.

تحليل

تشكل هذه الرؤية استجابة ذكية لتحديات العولمة، حيث لا يمكن للمغرب أن يظل محصورًا في أطر تعاون تقليدية. إذ تسمح هذه الشراكة له بالتواصل مع كتلة اقتصادية صاعدة، وبناء تحالفات جديدة تُعزز مكانته الإقليمية والدولية.

أثر هذه الرؤية

إن تعزيز التعاون مع الآسيان يعزز كذلك دور المغرب في مبادرات السلام، والتنمية المستدامة، والتنمية البشرية على مستوى إفريقيا والعالم، ويُسهم في ترسيخ صورة المغرب كدولة جسر بين الثقافات والقارات.

خلاصة وتحليل ختامي

يمثل مقال د. فؤاد الغزيزر قراءة معمقة، تتجاوز التغطية السطحية للأحداث إلى تحليل سياسي واقتصادي شامل يسلط الضوء على تعقيدات وتحديات وأهمية الشراكة بين المغرب والآسيان.

هذه الشراكة الواعدة تأتي في لحظة تاريخية حرجة، تتطلب من المغرب العمل على بناء قدرات مؤسسية وفنية تُمكنه من الاستفادة القصوى، مع ضرورة إشراك كافة الأطراف المعنية، من حكومات ومؤسسات وأفراد، لضمان تحقيق أهداف التنمية والازدهار.

إن النجاح في هذه الشراكة سيعني ليس فقط تعزيز موقع المغرب على الخريطة الاقتصادية العالمية، بل أيضًا فتح آفاق جديدة في بناء نموذج تعاون دولي متعدد الأبعاد قائم على الاحترام المتبادل والتنمية المشتركة.