في أعماق المحيط الأطلسي، حيث تلتقي مياه المغرب الزرقاء بأسماكها الوفيرة، تُحاك صفقة جديدة بين الرباط وموسكو. اتفاقية صيد بحري لمدة أربع سنوات تسمح لأساطيل روسية بالصيد في المياه المغربية، بما فيها سواحل الصحراء. لكن بينما تفرح السفن الروسية بكميات الأسماك التي ستجنيها، يبقى السؤال الأكبر: ما الذي سيجنيه المواطن المغربي من هذه الصفقة؟ وهل ستتحول ثرواته البحرية إلى سلعة بعيدة المنال حتى عن مواطنيها؟
اتفاقية الصيد: استمرار لشراكة تاريخية أم استنزاف للثروة البحرية؟
كشفت الوكالة الفيدرالية الروسية لمصايد الأسماك أن جميع تفاصيل الاتفاقية قد تمت مناقشتها، وأن المسودة قدمت للحكومة الروسية من أجل توقيعها مع المغرب. وبموجب هذه الاتفاقية، ستكون السفن الروسية قادرة على صيد 80,000 طن من الأسماك سنويًا داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للمغرب، وهي كمية ضخمة تطرح أسئلة حول تأثيرها على المخزون البحري الوطني.
المصادر المتخصصة تشير إلى أن الأسماك المستهدفة في هذه الاتفاقية تشمل السردين، السردينيلا، الماكريل، والأنشوجة، وهي من الأنواع الأساسية في النظام الغذائي المغربي. في الوقت نفسه، تصطاد السفن الروسية في المياه الموريتانية، مما يثير مخاوف من استغلال مشترك لمخزون السمك في المنطقة دون رقابة صارمة.
بين البحث العلمي واستغلال الثروات: أي مكاسب للمغرب؟
في إطار التعاون المغربي الروسي، قامت سفينة الأبحاث الروسية “أتلانتنيرو” بمهمة بحثية في سواحل الأطلسي، بالتنسيق مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري المغربي. الهدف المعلن هو تقييم المخزون السمكي وإمكانيات استدامته. لكن، هل تساهم هذه البحوث فعلاً في حماية الثروة البحرية المغربية أم أنها مجرد غطاء علمي لاستغلال موارد الصيد بطريقة غير متوازنة؟
المواطن المغربي: خارج المعادلة؟
رغم أن المغرب يوقع اتفاقيات دولية في مجال الصيد، إلا أن المواطن المغربي لم يلمس انعكاسات إيجابية لهذه الاتفاقيات على الأسعار في السوق المحلية. فالأسماك التي يتم اصطيادها بكميات هائلة لا تصل إلى موائد المغاربة، بل تُوجه للتصدير أو تُباع بأسعار مرتفعة، ما يجعلها بعيدة عن متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟
في السنوات الأخيرة، شهدت أسعار الأسماك ارتفاعًا ملحوظًا، ما أثار استياء المواطنين الذين يجدون أنفسهم محرومين من استهلاك منتجات بحرية يُفترض أنها جزء من موارد بلادهم الطبيعية. فهل تُراعى مصالح المستهلك المغربي عند توقيع مثل هذه الاتفاقيات، أم أن الأولوية تُمنح للمصالح الاقتصادية والاستثمارات الخارجية؟
الحاجة إلى مساءلة ومراجعة
إن توقيع اتفاقيات من هذا النوع يجب أن يخضع لمراجعة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار ليس فقط الفوائد الاقتصادية المباشرة، ولكن أيضًا التأثيرات الاجتماعية والبيئية. فالمغرب يحتاج إلى استراتيجية واضحة تحمي حقوق الصيادين المغاربة، تضمن استدامة الثروة السمكية، وتكفل وصول الأسماك إلى السوق المحلية بأسعار معقولة.
في ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح هذه الاتفاقية في تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية وحماية الموارد البحرية، أم أنها ستضيف مزيدًا من الضغوط على المواطن المغربي الذي بات يعاني من ارتفاع الأسعار وندرة الأسماك في أسواق بلاده؟