بصفتها المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون التمويل الشامل من أجل التنمية، تقزم ملكة هولندا، ماكسيما، بأول زيارة المغرب ابتداء من 20 إلى 23 مارس الجاري، حيث ستجري مجموعة من اللقاءات مع رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، والأمين العام للحكومة محمد الحجوي، ووزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، ووزير الصناعة والتجارة رياض مزور والوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلف بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة غيثة مزور، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، ورئيسة الهيئة المغربية لسوق الرساميل نزهة حياة ، وفقا لبرنامج الزيارة.
وتركز أهداف الزيارة على الدعم للتقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التمويل الشامل في السنوات الأخيرة. وتسليط الضوء على المعاملات المالية بالهاتف المحمول والتكنولوجيا المالية والتمويل الأخضر الشامل بالمغرب وعلى الاستثمارات الرئيسية للمساعدة على إطلاق سوق السداد الرقمي في المغرب، ولا سيما للعمل كمنصة للقطاع المالي الرسمي بالنسبة للمجموعات الضعيفة تقليديا مثل النساء والتجار الصغار ودعم التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد في معالجة المخاطر والتكاليف والحواجز الجغرافية للخدمات المالية في المغرب.
ستلتقي ملكة هولاندا في اليوم الأول بالدار البيضاء، رواد الأعمال ومستخدمي الخدمات المالية للاستماع مباشرة لتجاربهم، وخاصة الفوائد والتحديات التي تواجه بناء صحة مالية ومرونة أفضل وفي اليومين الثاني والثالث من الزيارة، تلتقي كبار القادة في القطاعين العام والخاص لمناقشة فرص الدعم والتعاون في مجال التمويل الشامل في المغرب.
وكانت العلاقات بين المغرب وهولندا مرت بأزمة بسبب تقديم وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، تقريراً حول “حراك الريف” أمام لجنة الخارجية في برلمان بلاده.
وظهرت الأزمة بشكل جلي، عندما حل وزير الخارجية الهولندي في زيارة للمملكة المغربية، ووقفا جنباً إلى جنب في مؤتمر صحافي أعقبت محادثات ثنائية، قال فيها الوزير ناصر بوريطة لنظيره الهولندي “إن المغرب لا يقبل الدروس من أحد”، فيما تشبث وزير الخارجية الهولندي بانتقاد بلاده لتعاطي المغرب مع معتقلي حراك الريف.
وتفاقمت الأزمة عندما أصدر برلمانيون هولنديون تقريراً يرسم صورة قاتمة عن أوضاع عائلات معتقلي حراك الريف، مطالبين بإطلاق سراح كافة المعتقلين على خلفية الحراك، وهو ما لم يستسغه المغرب، واعتبره تدخلاً في شؤونه.
أقوى نقطة اشتباك بين المملكتين
وشكل ملف التعويضات الهولندية للعمال المغاربة المهاجرين أقوى نقطة اشتباك بين المملكتين، عندما انطلق مسلسل المفاوضات في سنة 2013، وعرف اصطدامات كثيرة بين البلدين على مستوى وزارتي الشغل، بسبب ما اعتبرته الرباط شروطاً هولندية تنتهك حقوق العمال، قبل أن ينتهي المطاف إلى توقيع اتفاقية جديدة للضمان الاجتماعي للحفاظ على حقوق العمال المغاربة المهاجرين في هولندا.
“حادثة سير” قوية أخرى عرفتها طريق العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وأمستردام، تتمثل في قضية البرلماني المغربي السابق ذي الجنسية الهولندية سعيد شعو، الذي يطالب المغرب بترحيله إلى البلاد، باعتبار أنه متهم بترويج المخدرات على الصعيد الدولي.
وزارة الأمن والعدل الهولندية كانت قد اعتقلت شعو في صيف 2017 بتهمتي “تكوين عصابة إجرامية” و”الاتجار الدولي في المخدرات”، لكن سرعان ما أطلقت سراحه، لتعقب الرباط بأن المغرب كان دائماً متعاوناً في مجال مكافحة المخدرات، وبطلب ملحّ من الاتحاد الأوروبي وهولندا لن يسمح بأن يحظى مهرب مخدرات بوضعية خاصة تسمح له بإعادة خلق ظروف ملائمة لأنشطته الإجرامية.
ودعت الرباط هولندا إلى ضرورة اتخاذ “تدابير ملموسة وعاجلة ضد هذا المهرب الذي يرتزق من الاضطرابات”، في إشارة إلى ما يعتبره المغرب تورطاً لهذا البرلماني السابق في إذكاء الاحتجاجات التي شهدتها مدينة الحسيمة ومنطقة الريف عموماً وانتهت باعتقالات وأحكام سجن في حق نشطاء، من قبيل قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي.
موضوع حراك الريف الذي تتابعه هولندا بشكل لافت، بالنظر إلى ضغوط جالية كبيرة من أبناء الريف في هولندا، كان القشة التي قصمت ظهر العلاقات الودية بين المملكتين، إذ إن وزير الخارجية الهولندي، ستيف بلوك، صرّح في الصيف الماضي بأن الأحكام ضد معتقلي الريف قاسية، بينما التزمت الدول الأوروبية الصمت حيال هذا الملف.
وبعد أن استدعت الرباط في حينه السفيرة الهولندية، ديزيري بونيس، للاحتجاج بسبب تصريحات بلوك، عادت لتستدعيها قبل أيام قليلة للاحتجاج مرة ثانية في ظرف زمني قصير على تقرير جديد رفعه وزير الخارجية الهولندي إلى برلمان بلاده بشأن أحداث الريف.
وأعقب الاحتجاج الرسمي لوزارة الخارجية المغربية على هولندا، وتأكيد الرباط أن تقرير وزير الخارجية الهولندي مليء بالمغالطات، قرار إلغاء اللقاء الذي كان من المفترض أن يجمع بين مسؤولين من هولندا والمغرب، بمناسبة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في آخر الشهر الجاري.
ويقول الخبير المغربي في العلاقات الدولية، محمد عصام لعروسي، إن التوتر بين المغرب وهولندا ليس بالأمر الجديد، على اعتبار بعض الخلافات التي تطفو على السطح بين البلدين من وقت لآخر بخصوص رفض هولندا تسليم بعض المجرمين للمغرب وتناقض قوانين الهجرة وتشديدها على المغاربة.
وسجّل لعروسي في حديث سابق لـمواقع عربية، أن تقرير وزارة الخارجية أمام البرلمان الهولندي حول حراك الريف، المنتقد لوضعية المعتقلين والأحكام القضائية الصادرة في حقهم، يقتضي ملاحظات رئيسية، أولاها أن التقرير يعد تدخلاً سافراً في السيادة المغربية وإقحاماً غير مبرر لهولندا في الشؤون الداخلية والقضائية للمملكة.
الملاحظة الثانية، وفق الخبير ذاته، تتمثل في تجاوز هولندا إطار العلاقات الثنائية مع المغرب، الذي يفترض أن تعامل الرباط بمبدأ المعاملة بالمثل والندية والاحترام اللازم لبلد له سيادة تجمعه مع هولندا علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية واجتماعية تراعى فيها مصالح البلدين.
ويضيف لعروسي ملاحظة ثالثة تتجسّد في كون “التقرير يكشف عن قفز هولندا على إطار العلاقات متعددة الأطراف التي تجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي الذي لم يشر لا من قريب أو من بعيد من خلال لجنة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى أي موقف إزاء قضية المعتقلين على هامش حراك الريف”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “السلوك الدبلوماسي الهولندي يكشف عن نظرة عدائية إزاء المغرب، وربما يعبّر عن وجود جماعات ضاغطة تريد وضع اليد على قضية حراك الريف وتحريك سفنها في الاتجاه الذي يخدم بعض الأجندات الخارجية”، على حد تعبيره.