رغما عنه، يدفع المغرب منذ فترة تكلفة مضاعفة للأزمة المالية الأوروبية في مجال الهجرة، لكنه يتجه الآن بخطى حثيثة للتخفيف من أعبائها بعد أن توسّعت تداعياتها لتحمِل أبعادا حقوقية وإنسانية وصلت إلى حد صدور اتِّهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وبالعنصرية.
احبطت السلطات المغربية، منذ بداية العام الجاري 2022، أكثر من 40 ألف محاولة هجرة غير نظامية، وفككت 124 شبكة تنشط في هذه الهجرة وفقا لتقرير لوزارة الداخلية، تم تقديمه لمجلس النواب في إطار دراسة مشروع موازنة 2023.
ويفيد التقرير أن “السلطات الأمنية ضاعفت في 2022 مجهوداتها للتصدي للشبكات الإجرامية التي تنشط في ميدان تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر”،مما أسفرت عن “إفشال 40 ألفًا و589 محاولة للهجرة غير القانونية (غير النظامية) منذ بداية العام 2022، وتفكيك 124 شبكة إجرامية تنشط في ميدان الهجرة غير القانونية”.
ويوضح التقرير أن “الحكومة المغربية تعمل على تشجيع الرجوع الطوعي للمهاجرين في وضعية غير قانونية (موجودبن في المغرب)، بالتعاون مع الهيئات الدبلوماسية لبلدانهم المعتمدة بالمغرب”،إذ تم ترحيل 2326 مهاجرًا إلى بلدانهم الأصلية، بتنسيق مع المنظمة العالمية للهجرة بالمغرب” .
وكشف التقرير أن السلطات المغربية، اوقفت خلال 2020، 12 ألفًا و231 مرشحًا للهجرة غير النظامية وفككت 150 شبكة إجرامية تنشط بتنظيم الهجرة غير النظامية.
كان المغرب البلد المُصدِّر للهجرة الشرعية والسرية، ومنذ أن باتت الهجرة الإفريقية، خاصة السرية، من دول جنوب الصحراء نحو أوروبا عبْر دول شمال إفريقيا، ظاهرة مُقلقة للأوروبيين، مقصدا لتكليفه بالمهمّة الأساسية للحد من الظاهرة كحارس، مقابل مساعدات تقنية أو مِنَـح مالية، حيث “كانت أوروبا تنتظر من المغرب أن يكون دَرَكيّا وفرضت عليه مهمّة قَـذِرة، وهي القبول باستقبال المهاجرين السريِّين المُرحّلين، على أساس إعادة الترحيل إلى آخر نقطة خرج منها هؤلاء قبْل دخولهم لدول الاتحاد الأوروبي، وهي مهمّة “ضدّ حقوق الإنسان والدستور المغربي الجديد”.
يتجه عدد من المهاجرين المنحدرين من دول أفريقيا إلى الاشتغال في مهن معينة أيضاً، وغالباً ما تكون مهناً تطلب القوة البدنية والجلَد والتحمل الجسدي، مثل مهنة البناء أو الإسكافي أو الحمال، وغيرها من المهن الشاقة.
أما المهاجرات الأفريقيات، فغالباً ما يتجهن إلى مهن بيع الإكسسوارات المختلفة، أو العمل منظفات أو عاملات في الأسواق التجارية وغيرها من المهن.
في هذا الصدد، قال مقاول البناء عبدالله أمهال، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، إنه يعمل على تشغيل مهاجرين أفارقة معه في مجال البناء، لأنها مهنة تتطلب القوة البدنية التي يتميز بها المهاجرون الأفارقة لطبيعتهم الفيزيولوجية التي وهبهم إياها الله.
وأضاف أمهال أن “المهاجر الأفريقي يعمل في العادة بجد وكد، ولا يقدم الأعذار الواهية للتغيب عن العمل في البناء، مثل عدد من المستخدمين المغاربة”، مضيفاً أن “راتبهم أيضاً يكون أقل من أجر المغاربة، بالنظر إلى أن هؤلاء تكون لديهم أسر ومتطلبات معيشية أكبر”.
وفي كثير من الأحيان، يستعين هؤلاء المهاجرون الأفارقة بالتسول من أجل كسب لقمة العيش، إذ لا يكاد شارع أو مقهى أو مطعم يخلو من وجود أو مرور أحدهم يطلب صدقة، مستعطفاً المارة والمواطنين بعبارات من قبيل “الحاج صدقة الله يرحم والديك” بدارجة مغربية ممتزجة بلكنة أفريقية.
مغامرات الهجرة وتفكيك الشبكات
ظروف العيش الصعبة هذه التي يواجهها عدد من المهاجرين الأفارقة، على الرغم من محاولات الاندماج الاجتماعي والإدماج الرسمي، تدفع كثيراً منهم إلى التربص وتحيّن الفرص السانحة للهجرة نحو أوروبا، تحديداً إسبانيا التي تبعد عن سواحل الشمال المغربي 15 كيلومتراً فقط.
ويمضي هؤلاء المهاجرون أوقاتهم بين مزاولة مهن بسيطة أو التسكع في الشوارع، أو التسول، وأحياناً ارتكاب السرقات والاعتداءات، لكنهم يضعون أعينهم على الأوقات التي تنشط فيها الهجرة السرية، إما عبر “قوارب الموت” أو عبر اقتحام سياجات مدينتي سبتة ومليلية.
وإذا كانت الهجرة السرية عبر قوارب الموت مكلفة مادياً، لأن “عصابات الاتّجار بالبشر” التي تقف وراءها تطلب مبالغ مالية لتوفير القارب وإيصال المهاجرين إلى الضفة الإسبانية، فإن كثراً يختارون مغامرة اقتحام السياج الشائك على الرغم من خطورته وتشديد المراقبة الأمنية، وهو ما حصل يوم الجمعة الماضي، عندما تسبب تدخل القوات المغربية والإسبانية في مصرع 23 مهاجراً أفريقياً.
وتورد الأرقام الرسمية تفكيك أكثر من 1300 شبكة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، من ضمنها 625 شبكة عام 2021 و100 شبكة إلى غاية مايو (أيار) 2022، وفق أرقام وزارة الداخلية المغربية.
وتبعاً للمصدر ذاته، تم صدّ أكثر من 145 عملية اقتحام حول مدينتي سبتة ومليلية منذ عام 2016، من بينها 50 اقتحاماً عام 2016 و12 اقتحاماً حتى مايو 2022، كما تم إجهاض أكثر من 360 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية منذ عام 2017، من بينها 63 ألفاً عام 2021 و26 ألفاً حتى مايو 2022.