المغرب يردّ على افتراءات جزائرية حول انتزاع أملاك عقارية ينظمها قانون للصالح العام

0
369

أعتبر مصدر دبلوماسي مغربي الاثنين إن اتهامات الجزائر للرباط  بـ”السطو” على عقارات تابعة لها في المغرب لا أساس له، مؤكدا أنها تندرج في نطاق روح تصعيدية غير مبررة، في أحدث حلقة من حلقات السلوكات العدائية التي دأبت عليها الجزائر، خاصة وأن المسألة ينظمها قانون محدد وكان بالإمكان تسويتها في إطار القنوات الدبلوماسية ولا تستدعي كلّ هذا التصعيد.

ويأتي هذا النفي المغربي إثر تنديد وزارة الخارجية الجزائرية بما أسمتها “استفزازات” و”عملية سلب متكاملة الأركان” لممتلكات تابعة لسفارتها في الرباط، بعد ورود أنباء حول الموضوع في وسائل إعلام جزائرية.

وقالت وزارة الخارجية الجزائرية إنها “سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة، كما أنها ستلجأ إلى كافة السبل والطرق القانونية المتاحة، لاسيما في إطار الأمم المتحدة، بغرض ضمان احترام مصالحها”.

وزعم قرار نشر بالجريدة الرسمية الخاصة بالإعلانات القانونية والقضائية والإدارية أن “مشروع مرسوم بإعلان المنفعة العامة يقضي بتوسعة مباني إدارية لفائدة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، الكائنة بجماعة الرباط، وبنزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض، وهي ستة عقارات، ثلاثة منها مملوكة للجزائر”.

وأوضح المصدر المغربي أن وزارة الخارجية المغربية تقدمت لدى السلطات الجزائرية في العام 2022 بطلب لشراء مبنى تابع لها مجاور لمقر الوزارة، على أساس أنه بقي شاغرا منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط وذلك في إطار مشروع لتوسعة مكاتب الوزارة.

وأضاف “أدار المغرب هذا المشروع بكل شفافية وفي تواصل دائم مع السلطات الجزائرية”، مشيرا إلى أنها ردت على الطلب المغربي لكن العملية “مجمدة حاليا لأن المملكة لا تتصرف وفق منطق تصعيد”.

وأكد أن الأمر لا يتعلق بمقر سفارة الجزائر ولا بمقر إقامة السفير، مشيرا إلى أن الخارجية المغربية قامت بإجراءات مماثلة مع مقار دبلوماسية أجنبية أخرى لتوسعة مقرها.

وتشهد علاقات البلدين أزمة دبلوماسية متواصلة بسبب تأجيج الجزائر للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية ودعمها لقادة الجبهة الانفصالية “بوليساريو” وتوفير الغطاء السياسي لأنشطتها العدائية، في وقت تتالى فيه الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، وسط إجماع شبه دولي على وجاهة وواقعية مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب كحل وحيد قابل للتطبيق على أرض الواقع.

وأوضح الخبير الأكاديمي عبد الرحيم المنار السليمي، رئيس “المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني”، أن “الأمر لا يتعلق بسفارة، وإنما بفيلا وبنايات فارغة قريبة من مقر وزارة الخارجية المغربية”. وأشار إلى أن بناية السفارة الجزائرية توجد في مكان آخر بعيد، بشارع محمد السادس، قرب سفارة الكويت وأحد أكبر المجمعات التجارية.

وردّ السليمي على استناد بيان الخارجية الجزائرية إلى “اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية” بما جاء في أحد بنود هذه الأخيرة من التأكيد على أن كل ما تقوم به دولة لها تمثيلية دبلوماسية يتم في نطاق التشريع الوطني للبلد المضيف واحترام قوانين أنظمته القانونية.

وأضاف في “فيديو” مباشر بثه اليوم على منصات التواصل الاجتماعي قائلا: “إن المادة 55 من اتفاقية فيينا لا تستبعد إمكان إقامة مكاتب بمؤسسات أو وكالات أخرى من قسم في البناء الذي تقع فيه القنصلية، شرط أن تكون هذه الأمكنة المخصصة لهذه المكاتب منفصلة عن هذه الدُّور. وفي هذه الحالة، لا تعتبر هذه المكاتب قسما من الدور القنصلية”.

ومن ثم، استنتج الخبير الجامعي المغربي أن العقارات التي يتحدث عنها بيان الخارجية الجزائرية “غير تابعة للسفارة”. واستغرب من وصف البيان عملية “نزع الملكية” التي قامت بها السلطات المغربية سلوكا عدائيا، متسائلا: هل هذا العمل القانوني الذي يندرج في سيادة أي دولة يسري عليه مفهوم “العدوان” في القانون الدولي؟

واعتبر أن الرباط طبقت “نزع الملكية” على بنايات لا علاقة لها بالسفارة، وذلك من أجل المصلحة العامة، المتمثلة في توسيع مقر وزارة الخارجية المغربية التي هي من مؤسسات السيادة في البلد. كما أرجع المسألة إلى اعتبار أمني لتأمين الوزارة ذاتها.

في الاتجاه نفسه، ردّ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط حسن بلوان قوله إنه “من خلال شكل ومضمون البيان الجزائري يتضح أن الخارجية تتحين أي فرصة صغيرة أو كبيرة للهجوم على المملكة”، لافتا إلى أن رد الجزائر “لا يرقى إلى الأعراف الدبلوماسية المتداولة في العلاقات الدولية، كما أن المسألة لا تتطلب هذا البلاغ الصادر من أعلى الهرم الدبلوماسي الجزائري”.

ووصف الموقف الجزائري بـ”الجعجعة”، لا سيما أن “الموضوع تقني وإداري وقضائي يتعلق بإجراءات روتينية تقوم بها الدولة من أجل نزع الملكية لغرض المنفعة العامة وهي منظمة بقانون يسري على الأفراد والجماعات لذلك يدخل في صميم السيادة القانونية والقضائية المغربية”.

وأكد أن “القرار المغربي لا يتنافى مع حرمة وحماية البعثات والتمثيليات الأجنبية التي تضمنها اتفاقية فيينا كما ادعت الجزائر في بيانها اللامتوازن”

وأشار إلى أن “العملية تخضع لإجراءات تقنية وإدارية واذا استكملت شروطها القضائية يمكن أن يحصل فيها أصحاب الملكية على تعويضات يقرها القانون بعيدا عن لغة السطو والسرقة التي جاءت في البيان الجزائري المستهجن”.

وأكد أن “المسألة لا تحتمل هذا الضجيج وهو إجراء عادي كان سيتم في صمت مع أي تمثيلية دبلوماسية أخرى تحترم الأعراف وتقاليد التمثيل الدبلوماسي وحسن الجوار”.

من جهته قال جمال السوسي ، مدير نشر  موقع “المغرب  الآن” وموقع “الدبلوماسية” على بيان الخارجية الجزائرية الذي استعمل لفظة “مصادرة مقرات سفارة الدولة الجزائرية في المغرب”، بالقول “إن إقدام سلطات الجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب واحد مع المغرب في آب/ أغسطس 2021، ينهي كل حديث عن وجود علاقة ديبلوماسية بين البلدين من جهة، ويردم مفاهيم “سفارة” وسفير” و”علم وطني” مرفوع بالبناية الدبلوماسية من جهة ثانية”.

وبخصوص إشارة البيان إلى أن تصرف المغرب يتنافى مع “اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”، أوضح  السوسي أن القنصلية العامة للجزائر بالمغرب كانت قد تَعهَّدت في وثيقة رسمية مؤرخة في ماي 2022، تتوفر الجريدة على نسخة منها، بأنها بِصدد إعداد تقييم مالي وعقاري للقسم القنصلي الملحق بالمقر القديم للسفارة الجزائرية بالرباط، تمهيدا لعملية “إفراغه”.

وتَتضمن أيضا هذه الوثيقة الدبلوماسية المذيلة بتوقيع القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء “التزاما من السلطات الجزائرية بتحرير مَقرات القسم القنصلي وتَرحيل مُحتوياته فور انتهائها من عمليات البيع المقررة طبقا للقانون”.

ويتّضح من ما تحتويه هذه المراسلات الرسمية أن الجزائر إما أنها تَنصَّلت من التزاماتها اتجاه السلطات المغربية المعبر عنها في الاجتماعات الثنائية والمراسلات المتبادلة؛ وهو سُلوك لا يَليق بالدول، ويَنتهك الأعراف الدبلوماسية، أو أن السلطات الجزائرية تَدثَّرت بالكذب وحاولت الظُهور بمظهر المظلومية، بعدما نَزعت كثيرا نحو التصعيد وتَجسمت في صورة الدولة المارقة.

واستطرد قائلا “حتى على افتراض أن العلاقات الدبلوماسية قائمة بين الدولتين، فالعقارات التي نزعت السلطة العمومية المغربية في الرباط ملكيتها هي عقارات ليست تابعة للسفارة الجزائرية، على اعتبار أن سفارة الجزائر بالمغرب لم تبق أصلا بجانب مقر الخارجية، بل انتقلت بعد بناء مقر جديد، الى (طريق زعير قرب ميغامول بشارع محمد السادس حاليا)، وبالتالي فالقول إن العقار المنزوعة ملكيته هو مقر السفارة الجزائرية فيه افتراء وكذب وتزوير للحقائق”.

المغرب عند فتح مسطرة نزع الملكية بموجب القوانين الجاري بها العمل في المغرب ، كان يَتصرَّف في إطار نتائج المناقشات الثنائية التي كانت القنصلية الجزائرية طرفا فيها، كما أنه انطلق من تَعهُداته والتزامات الجزائر الرسمية؛ لكن هذه الأخيرة كانت تَتصرف بمنطق العصابات وتَجرَّدت من جميع تَعهُداتها الثنائية ومن إلزامية كافة الأعراف الدولية.