المفارقة المُرّة: المغرب يمتلك ثروة سمكية هائلة.. فلماذا يعاني مواطنوه من الجوع؟

0
108

في مفارقة صادمة، تُظهر دراسة حديثة أصرتها جمعية “أطاك” أن المغرب يمتلك أحد أغنى الموارد السمكية في العالم، حيث تبلغ حصيلة الصيد السنوي أكثر من 1.4 مليون طن، إلا أن نسبة كبيرة من المغاربة لا يستطيعون تحمل تكلفة شراء السمك! فكيف يُهدر هذا الكنز البحري بينما يعاني المواطنون من العوز الغذائي؟ وهل سياسات الصيد الحالية تُدمر الثروة السمكية لصالح مصالح ضيقة؟

ثروة بحرية هائلة وعوز غذائي مستمر

المغرب يمتلك واحدًا من أطول السواحل في العالم (أكثر من 3500 كيلومتر) ويُعتبر الصيد البحري قطاعًا استراتيجيًا حيويًا للاقتصاد الوطني، حيث يُساهم بنحو 2.8 مليار دولار من الصادرات السنوية. وفي المقابل، لا تنعكس هذه الوفرة على مستوى الاستهلاك المحلي، حيث يُسجل المواطن المغربي استهلاكًا منخفضًا جدًا من الأسماك مقارنة بالمتوسط العالمي. وفقًا للإحصاءات، يستهلك الفرد المغربي حوالي 14 كيلوغرامًا من الأسماك سنويًا، بينما يبلغ المعدل العالمي 20 كيلوغرامًا، ما يوضح وجود فجوة كبيرة في الاستفادة من هذه الثروة.

لماذا لا يستفيد المغاربة من ثرواتهم البحرية؟

على الرغم من أن المغرب يصطاد أكثر من 1.4 مليون طن سنويًا من الأسماك، يتم تصدير 85% من هذه الكمية، خاصةً الأسماك مثل السردين والأخطبوط إلى أسواق أوروبا وآسيا. فحوالي 70% من الصادرات تذهب إلى أوروبا (خصوصًا إسبانيا وفرنسا)، و 20% إلى آسيا (معظمه الأخطبوط وسمك أبيض). هذا التوجه نحو التصدير يقوّض قدرة السوق المحلية على الاستفادة من هذه الثروة، مما يساهم في ارتفاع أسعار الأسماك المحلية، ما يضع عبئًا إضافيًا على الأسر المغربية. وكنتيجة لذلك، يظل 15% فقط من الإنتاج المحلي متاحًا للسوق الداخلية.

سياسات التصدير مقابل السيادة الغذائية

من جهة أخرى، تتساءل العديد من الدراسات عن مدى تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذا المورد الغني وتحقيق الاكتفاء الغذائي المحلي. وفقًا لجمعية “أطاك”، السياسات الحالية تشجع تصدير الأسماك ذات الجودة العالية، مما يترك الأسواق المحلية مليئة بأسماك أقل جودة وبأسعار مرتفعة. ويتزايد الشعور بوجود “ندرة مفتعلة” في السوق المحلية، حيث تُعرض الأسماك بأسعار تفوق قدرة العديد من المواطنين، مما يؤدي إلى حرمان شرائح واسعة من المجتمع من الاستفادة من هذه الثروة البحرية.

تأثير سياسات الصيد على البيئة البحرية

أثر السياسات الحالية يتجاوز الفجوة الغذائية ليشمل البيئة البحرية. تقارير بيئية تُظهر أن 80% من المخزون السمكي في المغرب مهدد بالاستنزاف بسبب الصيد الجائر والممارسات غير المستدامة. يواجه المغرب خطر انهيار النظام البيئي البحري إذا استمرت هذه السياسات على هذا النحو. علاوة على ذلك، تتسبب برامج مثل “أليوتيس” لتربية الأحياء البحرية في تلوث السواحل وتدمير التنوع البيولوجي البحري، ما يزيد من تعقيد الوضع.

البحارة في مواجهة تحديات السوق العالمية

المفارقة أن 10 شركات كبرى تتحكم في 75% من صادرات السمك، مما يترك الصيادين التقليديين في حالة من الضعف، حيث يعانون من تدني الأسعار والاحتكار من الشركات الكبرى الموجهة نحو التصدير. كما أنهم يواجهون منافسة غير عادلة من سفن الصيد الصناعية التي تسيطر على معظم الموارد البحرية. ويعاني الصيادون التقليديون من ضعف الدعم الحكومي، مما يزيد من تعقيد وضعهم الاقتصادي ويعرضهم للفقر.

ما الحل؟ نحو سياسات أكثر توازنًا

لحل هذه الأزمة، يُمكن اتخاذ خطوات عدة، منها:

  • إعادة توجيه جزء من الإنتاج إلى السوق المحلية: يجب فرض حصص تصدير تُضمن للسوق الداخلية حصة عادلة من الأسماك بأسعار معقولة.

  • دعم الصيادين التقليديين: تمكينهم من المنافسة العادلة، وتحسين حقوقهم في الاستفادة من الثروات البحرية.

  • مراقبة ممارسات الصيد الجائر: يتعين تعزيز الرقابة على ممارسات الصيد المدمرة لضمان استدامة الثروة السمكية.

  • تحقيق سيادة غذائية حقيقية: تطوير استراتيجية لضمان توازن بين متطلبات التصدير واحتياجات الاستهلاك المحلي.

ختامًا: إلى أين تتجه بوصلة السياسات البحرية في المغرب؟

المغرب اليوم أمام مفترق طرق. فإذا استمرت السياسات الحالية في توجيه معظم الإنتاج نحو التصدير، فإن البلاد ستظل تواجه تفاوتًا اجتماعيًا متزايدًا وتدهورًا بيئيًا. لكن إذا اتخذت الحكومة إجراءات عاجلة لتوجيه جزء أكبر من الثروة السمكية لصالح المواطن المغربي، فإن ذلك سيضمن سيادة غذائية حقيقية، و عدالة اجتماعية، و استدامة بيئية. يبقى السؤال الأهم: هل سيبقى هذا المورد البحري محصورًا في مصلحة قلة من الشركات الكبرى، أم سيصبح حقًا من حقوق الشعب؟