أكد حضرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، على عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، مشيراً إلى أن التصعيد الأخير في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يأتي كنتيجة حتمية لانسداد الأفق السياسي، مذكّرا بأن المملكة أكدت مرارا على أن حلّ القضية يستوجب الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن. كما شدد على وجاهة مبدأ حل الدولتين باعتباره الضامن لإقرار السلام العادل والشامل والعيش السليم لشعوب المنطقة.
وقال في رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف شيخ نيانغ بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني إن “تخليد اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يأتي هذه السنة ومنطقة الشرق الأوسط عموما والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل خاص تعرف منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أوضاعا خطيرة وغير مسبوقة بسبب التصعيد المحموم والمواجهات المسلحة واسعة النطاق التي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، أغلبهم من الأطفال والنساء بالإضافة إلى الدمار الهائل في المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنية التحتية والحصار الشامل على غزة، في خرق سافر للقوانين الدولية والقيم الإنسانية”.
وكان المغرب الذي استأنف في العام 2020 العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد نحو عقدين من القطيعة، قد دعا منذ اندلاع الحرب على غزة إلى وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني، مشددا على ضرورة حماية المدنيين كما طالب طرفي الصراع بالعمل على الإفراج عن الرهائن.
وأكد الملك محمد السادس الذي يرأس لجنة القدس “رغم ارتفاع الدعوات بضرورة خفض التصعيد والتهدئة وإتاحة الفرصة لإدخال الأدوية والمساعدات الإغاثية الأخرى، استمرت إسرائيل في قصف عشوائي عنيف بالتزامن مع توغل قواتها البرية في قطاع غزة مخلفا نزوح أزيد من مليون ونصف مليون فلسطيني ومزيدا من القتل والتدمير”.
وأشار إلى أن “تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة والتمادي في استهداف المدنيين يسائل ضمير المجتمع الدولي وخاصة القوى الفاعلة ومجلس الأمن باعتباره الآلية الأممية المسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار والسلام في العالم للخروج من حالة الانقسام والتحدث بصوت واحد من أجل اتخاذ قرار حاسم ملزم بفرض الوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار واحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”.
وسلطت الرسالة الضوء على مخرجات قمة الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الداعية إلى وقف استهداف المدنيين عبر الخفض العاجل والملموس للتصعيد وحقن الدماء ووقف الاعتداءات العسكرية بما يفضي إلى وقف إطلاق النار بشكل دائم وقابل للمراقبة وضمان حماية المدنيين وعدم استهدافهم وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية بكميات كافية لسكان غزة، بالإضافة إلى إنعاش حل الدولتين.
وأوضح أن “الأعمال العسكرية الإسرائيلية الانتقامية في قطاع غزة أبانت عن انتهاكات جسيمة تتعارض مع أحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني”، مؤكدا رفض المملكة لكل التجاوزات وسياسة العقاب الجماعي والتهجير القسري ومحاولة فرض واقع جديد، مضيفا أن “غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية ومن الدولة الفلسطينية الموحدة”، مشددا على “ضرورة تمكين الأشقاء الفلسطينيين في القطاع الفلسطيني من المساعدات الإغاثية التي يجب أن تصل إليهم بشكل آمن وكاف ومستدام ودون عوائق”.
ولفت إلى أن “المغرب أرسل مساعدات إنسانية عاجلة لساكنة القطاع إسهاما من المملكة في جهود الإغاثة والعون التي يبادر بها المجتمع الدولي وانطلاقا من مبدأ التضامن الذي يطبع سياستنا الخارجية”، مضيفا أنه “تم توزيع كميات مهمة من المساعدات الغذائية والمستلزمات الطبية في مدينة القدس الشريف”.
واعتبر أنه “بالرغم من قتامة الوضع وغياب آفاق التسوية في الشرق الأوسط فإن الأمل مازال يحدونا في تضافر جهود المجتمع الدولي لإحياء عملية السلام”.
وتعتمد مقاربة المغرب تجاه القضية الفلسطينية على الاستناد إلى الحوار والمفاوضات للوصول إلى حل شامل ودائم على أساس قرارات الشـرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، في موقف ثابت بعيدا عن المزايدات السياسية.
وقال العاهل المغربي في رسالته إلى رئيس اللجنة الأممية “رؤيتنا اليوم وكما كانت دائما تعتبر السلام خيارا إستراتيجيا لشعوب المنطقة، وهو السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوبها وحمايتها من دوامة العنف والحروب. وهذا السلام الذي ننشده مفتاحه حل الدولتين، باعتباره الحل الواقعي الذي يتوافق عليه المجتمع الدولي والذي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر المسار التفاوضي”.
واختتم بقوله “نؤكد بهذه المناسبة موقف المغرب الراسخ بخصوص عدالة القضية الفلسطينية ودعمنا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وبصفتنا رئيسا للجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي”، مشددا على “ضرورة الحفاظ على الطابع الفريد لمدينة القدس وعلى عدم المس بوضعها القانوني والحضاري والتاريخي والديمغرافي باعتبارها مركزا روحيا للتعايش والتفاهم بين أتباع الديانات السماوية الثلاث”.
وتمكنت وكالة بيت مال القدس الشريف منذ إنشائها من تمويل عدة مشاريع حيوية في الميدان الاجتماعي والثقافي والتعليم والصحة والإسكان بقيمة إجمالية بلغت 57 مليون دولار، كان لها الأثر المباشر والملموس على حياة السكان.
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة قد أكد خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في 11 نوفمبر/تشرين الثاني استعداد المملكة للانخراط في أي جهود دولية تهدف إلى تحقيق تطلعات الشعبي الفلسطيني إلى إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفق حل الدولتين.
ومنذ اندلاع الحرب تظاهر الآلاف من المغاربة في عديد المدن، معربين عن تضامنهم مع غزة ونددوا بالصمت الغربي تجاه الجرائم الإسرائيلية، داعين إلى وضع حد للوضع المأساوي الذي يشهده القطاع الفلسطيني.