الملك المفدى يترأس درس ديني رمضاني ويستقبل العلماء بالقصر الملكي العامر  بالرباط

0
301

ترأس حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس حفظه الله  بالقصر الملكي العامر  بالرباط، الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، لهذا العام وألقاه أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي.

منذ ما يناهز ستين عاما، تحوّل شهر رمضان إلى موعد سنوي قارّ مع جلسات علمية يحج إليها علماء المسلمين من جميع أنحاء العالم، تفتتح بالقرآن وتختتم بدعاء السلطان وبينهما دروس دينية وأحاديث نبوية تربط روح الإسلام برسالته الكونية.

يتعلّق الأمر بالدروس الدينية الرمضانية، التي يحتضنها القصر الملكي العامر في المملكة المغربية الشريفة في رمضان من كل عام، ويجلس فيها علماء من مختلف المذاهب والجنسيات، لإلقاء دروس دينية بحضور الملك (أمير المؤمنين)، لكن جائحة كورونا أوقفت تنظيمها في العامين الماضيين مثل باقي الأنشطة الجماعية.

وكان موضوع الدرس رمضان هذا العام، “ثمرات الإيمان في حياة الإنسان”، وأكد المحاضر أن الحياة الطيبة التي وعد الله تعالى بها في القرآن الكريم، وضع شرطين للتحقق بها هما الإيمان والعمل الصالح، موضحا أن الشرط الأول يتعلق بالإيمان وأثره في إثمار هذه الحياة الطيبة، لأنه ركنها الأول الذي إذا وقع به الإقرار والتحقق، سهُل على الإنسان إتيان كل أنواع الشرط الثاني وهو العمل الصالح.




وخلص المحاضر إلى أن طاقة الإيمان “طاقة هائلة في الأمة تستدعي الاستثمار في تمكين تنمية شاملة تبدأ من الإنسان وتنتهي إليه“.

وبمناسبة افتتاح الدورس الحسنية السنوية، استقبل العاهل المغربي، الملك محمد السادس،  عدد من ضيوف المملكة من العلماء الذين يشاركون في إلقاء الدروس، يتعلق الأمر بكل من الأساتذة شوقي علام مفتي الديار المصرية، والشيخ محمد منصور سي ممثل الخليفة العام للطريقة التيجانية بالسنغال، والشيخ محمد ماحي ابراهيم نياس خليفة صاحب الفيضة التجانية، والشيخ مصطفى صونطا خليفة الطريقة التيجانية رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بكوت ديفوار، والشيخ مصطفى دياترا مستشار الخليفة العام للطريقة المريدية بالسنغال، والشيخ عبد الرحمان كنتا ممثل الناطق الرسمي باسم الطريقة القادرية في انجاصا بالسنغال، وحسن المناعي الأستاذ بجامعة الزيتونة وعضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس، ومحمد عبده الزبير رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بمالي، ولانغا دولاني فنسنت زيد رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجنوب إفريقيا، وعبد القادر شيخ ابراهيم رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بالصومال.

فعلى غرار باقي مظاهر الاحتفاء التي يخصه بها المغاربة، يتميز شهر رمضان بتنظيم جلسات علمية كبرى بشكل شبه يومي قبل أذان المغرب، يحضرها الملك شخصيا، ليستمع إلى محاضرة عالم كبير من داخل المغرب أو من خارجه، مع افتتاح الجلسة بتلاوة القرآن واختتامها بالدعاء الذي يلقيه الملك.

وتعتبر هذه الجلسات إرثا تاريخيا قديما دأب عليه سلاطين المغرب منذ قرون، وبعد توقفه لفترة (في عهد الحماية الفرنسية)، أعاد الملك الراحل الحسن الثاني إحياءه في سياق كان يتسم بصراع فكري كبير مع التيارات اليسارية واللادينية.

ترسم الدروس الحسنية مشهدا رمضانيا يجعل واحدا من العلماء المدعوين يعتلي المنبر قصد إلقاء الدرس المقرر بحضرة الملك والأمراء والمستشارين، إلى جانب الوزراء ورئيسي مجلسي البرلمان وكبار ضباط الجيش، فضلا عن عدد من الشخصيات العلمية والثقافية التي عادة ما توجه لها الدعوة لحضور مثل هذه المجالس.




وقد جرت العادة في السنوات الأخيرة أن يلقي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي الدرس الافتتاحي لهذه السلسلة الرمضانية، على أن يعقبه في اليوم الموالي درس لعالم من خارج المغرب، فعالم مغربي، وهكذا دواليك.

وعقب ختم الملك للمجلس بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتقدم العالم المحاضر للسلام عليه، وتكون تلك مناسبة لكي يهديه نسخا من مؤلفاته ورسائله العلمية وغيرها من مصنفاته. 

وتتخذ هذه الدروس بعدا دوليا حين يحضرها أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في المغرب، حيث يشهدون هذا المجلس الذي يتمتع فيه المحاضر بالحصانة ضد أي اعتراض أو تعقيب من قبل الحاضرين، بل الكل مطالب بالإصغاء لما يقوله العالم الذي يكون حرا في اختيار موضوع الدرس.

ولا يحدث كل ذلك في إطار سري أو مغلق، بل ينقل عبر البث المباشر التلفزيوني والإذاعي، مما يجعله في مأمن من الرقابة التي يمكن أن تحد من حرية تعبير العالم فيما يود إبلاغه لملايين المشاهدين والمستمعين، خاصة في حضرة ملك البلاد وكبار مسؤولي الدولة من أمراء ووزراء وقادة للجيش.

تصفُّح لائحة الأسماء التي تعاقبت على هذا الكرسي منذ انطلاق هذه الدروس سنة 1963، يبيّن أنها ظلّت في البداية مقتصرة على كبار علماء وفقهاء المملكة، يتقدّمهم علال الفاسي والمكي الناصري وعبد الله كنون، قبل أن تنفتح في السبعينيات على أسماء وازنة من كبار الدعاة والفقهاء المسلمين. يجمع بين هؤلاء المكانة العلمية الرفيعة ومراكمة العمل الفقهي والتأليف والتلقين، وتفرّقهم الانتماءات المذهبية والفكرية وحتى السياسية.

ويحتفظ سجل الدروس الحسنية الرمضانية بقائمة طويلة لأسماء علماء من جميع أنحاء العالم، ممن شاركوا في جلساتها طيلة أكثر من نصف قرن. ومن بين تلك الأسماء العلامة أبو الأعلى المودودي، والشيخ أبو الحسن الندوي من الهند، والشيخ محمد متولي الشعراوي من مصر، والشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة-المملكة العربية السعودية، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أستاذ كلية الشريعة بجامعة دمشق، والأستاذ محمد سعيد نعماني نائب رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.

لا ينتهي الأمر بإلقاء الدرس واختتام المجلس بالدعاء من طرف الملك، بل تجري مناقشة هذه الدروس بقاعة خاصة بمقر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالرباط (تحمل اسم المختار السوسي) من طرف العلماء المغاربة والضيوف الأجانب المشاركين في الدروس الحسنية.

وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد سنّ قاعدة نشر مضامين هذه الدروس مع ترجمتها من العربية إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، كما يصدر كتاب خاص بالمناقشات التي تدور حولها من طرف العلماء المشاركين فيها.

وقد كانت الدروس الملقاة في حضرة الملك وأمام أنظار حاشيته وجيش من علماء مجالسه الرسمية تخضع في السابق لمناقشة فورية يفتتحها الملك شخصيا، حيث يدلي ببعض الإضافات أو ما يراه تصحيحات، كما يطرح بعض الأسئلة على صاحب الدرس.




 

وكانت هذه المناقشات تُنقل مباشرة عبر التلفزيون، ويعكس مظهر الملك خلالها مدى رضاه على الدرس واقتناعه بصاحبه، فإما أن يبدي تبرّمه وتأففه من وقوع المحاضر في بعض الأخطاء، أو يعبّر عن سعادته وتقديره له. ويتّضح انطباع الملك أكثر بعد انتهاء الدرس واختتامه من طرف الملك، حيث يتقدّم المحاضر للسلام عليه، فيتلقى تهنئة الملك بنجاحه أو توديعا جافا يعكس عدم رضاه.

وبينما يمتد تنظيم الدروس الحسنية طيلة شهر رمضان، يجري تمكين العلماء المشاركين من بعض أيام الاستراحة، وعادة ما يغتنمونها لأجل القيام بزيارة بعض المعالم التاريخية المغربية أو تفقد بعض المنشآت الثقافية، كما تكون تلك الفترة فرصة لإلقاء دروس أو محاضرات في المساجد أو الجامعات أو بعض القاعات العمومية سواء بالعاصمة الرباط أو خارجها.

السلطان محمد الثالث.. حلقات حديثية في القرن الـ17 الميلادي

يعود أصل الدروس الرمضانية إلى الملوك العلويين، فقد كانوا يقيمونها ابتداء من رجب إلى غاية شهر رمضان، وينسب تأسيس هذا العرف الديني في شكله الحالي، إلى عهد السلطان مولاي إسماعيل (1645–1727م)، حيث كانت أشهر رجب وشعبان ورمضان مناسبة لتدارس الأمور الفقهية والشرعية، خاصة منها تلك المتعلّقة بالقضايا الجديدة والمستحدثة.

ويعتبر المؤرّخ إبراهيم حركات أن المغرب لم يخلق فكرة المجالس العلمية، “فهي قديمة في أوائل الدولة الإسلامية، بل هي موجودة بشكل أو بآخر لدى شعوب التاريخ القديم. فملوك الهند والصين كان لهم مجالسهم مع الحكماء والمنجمين، وكذا البلاط البيزنطي الذي كان يهيمن عليه الرهبان وتجري فيه مناقشات علمية ودينية وسياسية. وفي الإسلام فتح النبي صلى الله عليه وسلم باب النقاش العلمي في مجالسه، خاصة بمسجد المدينة وبيته المجاور”.

 

استيراد أبقار “ جاموس هزيلة”من البرازيل يثير جدلا واسعا في المغرب وحكومة رجل الأعمال تؤكد مطابقتها للجودة