الملك محمد السادس وخارطة الطريق للتنمية الترابية: بين الرؤية والإصلاح

0
267
Screenshot

حمل خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة للولاية الحادية عشرة. فالخطاب لم يقتصر على كلمات روتينية، بل حمل رسالة واضحة لكل الفاعلين السياسيين والإداريين والمدنيين، تؤكد أن زمن الشعارات الفضفاضة والوعود العامة قد ولى، وأن المطلوب اليوم هو تحويل الخطط إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع.

ما يميز هذا الخطاب هو تركيزه على تحول ملموس في العقليات وطريقة العمل، وترسيخ ثقافة النتائج كقاعدة لأي مشروع تنموي. فالملك أوضح أن هذا التحول يجب أن يستند إلى معطيات ميدانية دقيقة واستخدام التكنولوجيات الرقمية، ما يعكس فهمًا عميقًا للواقع المحلي والحاجة إلى متابعة أثر المشاريع لحظة بلحظة. يبدو أن الملك أراد بهذا أن يوجه رسالة مفادها: “لا مكان بعد اليوم للتصرفات الشكلية أو إدارة الوقت بدل النتائج”.

من اللافت أن الملك أشار إلى أن تطوير المغرب يتجاوز أي إطار زمني حكومي أو برلماني، مؤكداً على ضرورة تسريع وتيرة برامج التنمية الترابية، في علاقة متبادلة “رابح-رابح” بين المناطق الحضرية والقروية. وهنا يكمن جوهر المسألة: التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت عادلة ومتوازنة، تعيد إدماج المناطق الجبلية والواحات في الدورة الوطنية للنمو.

الأولويات التنموية: من الكلام إلى الفعل

يشير الخطاب بوضوح إلى مجموعة من الأولويات التي تشكل العمود الفقري لأي تحول فعلي:

  • تشجيع المبادرات المحلية وتحفيز الأنشطة الاقتصادية.

  • توفير فرص الشغل للشباب، وهو محور استراتيجي في زمن تطالب فيه الأجيال الجديدة بالكرامة والعدالة والفرص.

  • النهوض بقطاعي التعليم والصحة، وإعادة التأهيل الترابي بطريقة متكاملة.

من الملاحظ أن الملك أعاد التأكيد على أن المجال القروي يجب أن يكون عنصرًا مركزيًا في أي رؤية مستقبلية للتنمية، وأن الفوارق بين المركز والهامش تشكل عقبة حقيقية أمام نمو متوازن. وربما أراد الملك هنا أن يرسل رسالة ضمنية إلى الحكومة والجماعات الترابية: “لا مقايضة بين التنمية الحضرية والمجال القروي، ولا يمكن للمغرب أن ينهض إذا ظلت القرى مهمشة”.

خارطة الطريق: بين العقلانية والتنمية البشرية

في تحليل الخبير السياسي عباس الوردي، فإن الخطاب الملكي يمثل امتداداً مباشراً لخطاب العرش الأخير، لكنه أكثر عمقًا ووضوحًا في البعد العملي. ويضيف الوردي أن الملك قدّم ما يشبه “خريطة طريق دقيقة” تعتمد على ثلاثة مرتكزات أساسية:

  1. تغيير العقليات ومحاربة البيروقراطية التي تعيق الأداء.

  2. تبسيط المساطر الإدارية لتسهيل الاستثمار وكسب ثقة المواطنين.

  3. اعتماد التكنولوجيا الرقمية لضمان الشفافية ومتابعة المشاريع التنموية في الوقت الحقيقي.

ويشير الوردي إلى أن هذا الخطاب لم يكن سياسياً بالمعنى الضيق، بل تنموياً بامتياز، لأنه ربط بين التنمية والكرامة الإنسانية من جهة، وبين التنمية الترابية والعدالة المجالية من جهة أخرى.

التنمية الشاملة: من المراكز الصاعدة إلى السياسة الخارجية

ركز صاحب الجلالة ركز على توسيع المراكز القروية لتقريب الخدمات الأساسية من المواطنين، وهو توجيه يحمل بعدًا مزدوجًا: إدارة التوسع الحضري والحد من آثاره السلبية، وضمان توزيع عادل للخدمات على السكان. وهنا يطرح السؤال: هل ستتمكن السلطات المحلية من تنفيذ هذا النموذج بطريقة فعّالة ومستدامة؟

و شدد جلالته في خطابه على دور الأحزاب السياسية والبرلمان والمجتمع المدني في تأطير المواطنين والتواصل معهم بصدق وشفافية، بعيدًا عن الحسابات الانتخابية الضيقة. وأكاد أتساءل هنا إن كان الفاعلون قادرين على التقاط هذه الإشارات والعمل بها قبل فوات الأوان.

وأشار جلالة الملك المفدى  إلى أهمية الدبلوماسية البرلمانية والحزبية في الدفاع عن المصالح العليا للبلاد، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية. يبدو أن الملك أراد تذكير الجميع بأن التنمية الداخلية لا تنفصل عن قوة المغرب ومصداقيته دوليًا.

في الختام: بين الرؤية والواقع

فيما يمثل هذا الخطابالسامي خارطة طريق واضحة نحو نموذج تنموي متجدد يضع الإنسان في صميم العملية، ويؤكد أن التنمية ليست مجرد مشاريع أو أرقام ميزانية، بل مسار متكامل يرتكز على العدالة الاجتماعية والمجالية. وبناء مغرب متوازن ومتماسك من طنجة إلى الكويرة لن يتحقق إلا إذا التزم الجميع بهذا النهج القائم على النتائج والمحاسبة والإنصات لمطالب المواطنين، خاصة في المناطق الهامشية.

قد يكون السؤال النهائي الذي يطرح نفسه: هل ستتم ترجمة هذه الرؤية الملكية إلى أفعال ملموسة، أم ستظل مجرد كلمات جميلة تتردد في أروقة البرلمان والمجتمع المدني؟