أجرى الجيش الجزائري مناورات بحرية “استفزازية ” بمشاركة غواصات قرب الحدود مع المغرب في ظل توتُّر في العلاقات بين الجانبين.
ولكن مع ذلك، أظهرت الجزائر على نحو متزايد استعداداً للجمع بين القدرات العسكرية الحقيقية والتدريبات التي تنعم بتغطية إعلامية مكثفة وبين التهديدات الكلامية القسرية. وغالباً ما يبدو مثل هذا الخطاب وكأنه يهدف إلى دعم موقف الجزائر الرادع وتعزيز مكانتها في المنطقة. ولكنّ طبيعة المناورات الأخيرة وتوقيتها يكشفان أكثر بكثير عن دوافع الجمهورية الجزائرية الشعبية المحددة، والتي من المرجح أن تكون متجذرة في مخاوفها الاقتصادية، ومكانتها أفريقيا ومغاربيا، والأصداع الإقتصادية و السياسية والعسكرية الداخلية.
وبدأت المناورات أمس الأربعاء في قاعدة المرسى البحرية (غرب) وأشرف عليها قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة وقائد القوات البحرية اللواء محفوظ بن مداح، وجرت مناورات أمس تحت اسم “المرحلة الأولى من الردع 2021″، وسجل اليوم الخميس المرحلة الثانية من “الردع 2021″وهي المهمة جدا لأنها تتعلق بتوظيف الغواصات في الحرب البحرية برمي صواريخ من غواصة “جرجرة” ضد أهداف برية من قاع البحر بصواريخ تكتيكية.
ونقل التلفزيون الجزائري مشاهد من المناورة التي جرت بقاعدة المرسى البحرية (غرب) وأشرف عليها قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة وقائد القوات البحرية اللواء محفوظ بن مداح.
و”مرسى الكبير” هي أكبر قاعدة بحرية جزائرية تقع بسواحل مدينة وهران وتسمى أيضاً الواجهة البحرية الغربية إذ تغطي سواحل متاخمة للحدود مع المغرب.
وحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، المناورة سميت التمرين التكتيكي “مركب الردع 2021″ و”بمشاركة غواصات تحاكي معركة قتال حقيقية ضد عدو في عمق البحر”.
وكان موقع غلوبال فاير باور المتخصص في تصنيف الجيوش عبر العالم أكد في تقرير له عام 2021 أن الجزائر تمتلك 8 غواصات أغلبها من صنع روسي وتحتل المركز الـ15 عالمياً والأول إفريقياً وعربياً في هذا المجال.
وتأتي تلك المناورة في “إطار تدريب القوات البحرية على أعمال قتالية قريبة من الواقع وتقييم مدى التحكم في منظومة الأسلحة الحديثة”، حسب بيان الوزارة.
وقال رئيس الأركان الجنرال السعيد شنقريحة “من حق الجزائر أن يكون لها جيش قوي ومتطور واحترافي يمكنها من لع دورها الكامل والمشروع كقوة إقليمية مهابة الجانب ويضمن لها على الدوار التفوق الاستراتيجي في المنطقة”.
وحسب المصدر ذاته جرى خلال المناورة “رمي صواريخ وتوربيدات من غواصة (جرجرة) على أهداف على سطح البحر وجرى تدمير الهدف بنجاح”.
وتأتي المناورة في ظل أزمة متصاعدة بين الجزائر والمغرب وبعد أيام من إعلان الأولى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية لأسباب “تتعلق بالأمن القومي”، وفق الخارجية الجزائرية.
وينظرالمراقبون العسكريون لمناورات البحرية الجزائرية بقلق كبير، فهي تجري على بعد مئات من الأمتار من الحدود البحرية للمغرب، وتستعرض الجزائر قدراتها بالغواصات، ولا يمتلك المغرب أي غواصة بينما تمتلك الجزائر ثمانية غواصات.
ونظرا للقرب الجغرافي من الحدود المغربية، فالجزائر، ترد بهذه المناورات على أخرى قام بها المغرب في يونيو الماضي على مقربة من الحدود البرية الجنوبية المشتركة، واستهدفت ضرب قاعدة تملك بطاريات “إس 400” بواسطة صواريخ تكتيكية أمريكية.
هل سيقتني المغرب الغواصات الفرنسيَّة؟
أوردت تقارير إعلامية بأن الحديث جاري بين مكاتب باريس السياسية والعسكرية عن البحث عن مشترٍ جديد للغواصات الفرنسية بعد أن فسخت أستراليا عقد استيرادها 12 غواصة تقليدية يصنِّعها “نافال غروب”. بالمقابل، ومنذ مارس/آذار الماضي، بدأت الصحف المغربية تتحدَّث عن عزم بحريّة بلادها التزود من غواصات ذات المُصنِّع الفرنسي.
وفسَّرت تلك الصحف المغربية إعجاب البحريَّة الملكية بغواصات “نافال غروب” بأن الشركة الفرنسية استثمرت في إنشاء حوض لصيانة القطع البحرية العسكرية بميناء الدر البيضاء، هو ثاني منشآتها المعدَّة لهذا الغرض في المغرب. كما أن المغرب سبق له واقتنى من المجموعة الفرنسية “الفرقاط محمد السادس” التي تعد أهم قطعة في أسطوله البحري. فيما ولمدة أربع سنوات والحديث جارٍ عن قرب توقيع صفقة غواصات مغربية روسية لم تتحقق لحد الآن.
هذا وتضع القوات الملكية المغربية نصب عينيها الغواصة الهجومية الفرنسية “سكوربين”، التي يتراوح حجمها ما بين ستين وسبعين متراً، وسعرها يقارب نصف مليار يورو وهي من الجيل الجديد من الغواصات وتصنعها شركة “نافال غروب” الفرنسية بتنسيق مع شركة “نتافيا” الإسبانية.
حاجة المغرب لغواصات فرنسية؟
في تقرير لها، تكتب صحيفة “العلم” المغربية، بأن بحريَّة بلادها أصبحت في حاجة للحصول على غواصات. مرجعة ذلك إلى أن “المغرب الدولة الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط التي تتحصل على قوات جوية وقوات برية وقوات بحرية متقدمة نسبياً لكنه لم يعمد إلى اقتناء غواصة رغم التطور اللافت في اقتناء السفن الحربية”، هذا إضافة إلى أنه “من الدول القليلة في العالم التي تمتلك سواحل تمتد على 3500 كلم دون امتلاك أي غواصة”.
بالمقابل، يورد مقال لموقع “هيسبريس” المغربي في نسخته الفرنسية، أن المغرب في توجهه نحو فرنسا لاقتناء الغواصات هو يبحث عن إمكانية صفقة بـ”تمويل مرن” نظراً للظروف الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد متأثِّرة بالأزمة الصحية. بينما من جهة فرنسا، فهي تبحث الآن عن عقود جديدة لتخفيف صدمة الخسائر التي تلقَّتها بعد فسخ “عقد القرن” الأسترالي.
وكانت الجزائر أعلنت، في 24 غشت الماضي الفائت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب متهمة المملكة بارتكاب “أعمال عدائية” واعتبرت الرباط القرار “غير مبرر”.
وعبّر المغرب عن أسفه لذلك، معتبرًا أنّ القرار “غير مبرّرٍ تمامًا”، بالرغم من أنه “متوقّعٌ”، مشدّدًا على أنه “يرفض بشكلٍ قاطعٍ المبرّرات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها”.