في خضم الاستعدادات للإحصاء الوطني للسكان والسكنى، أطلق أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، تصريحات مثيرة للجدل خلال الندوة الصحافية التي عقدت عشية انطلاق العملية الإحصائية. لم تكن تصريحات السيد الحليمي مجرد دعوة للمشاركة في الإحصاء، بل بدت وكأنها تعبير عن مفهوم ضيق للانتماء الوطني، مما يستدعي وقفة تحليلية للتفكير في مغزى هذه التصريحات وأثرها على العلاقة بين المواطنين والسلطات.
هل الإحصاء الوطني هو شرط للانتماء؟
في تصريحاته، صوّر السيد الحليمي المشاركة في الإحصاء كأنها الشرط الأساسي للانتماء إلى الوطن، معتبرًا أن هذا الإحصاء سيكون خطًا فاصلاً بين “الوطني” و”غير الوطني”. ماذا يعني هذا التصور لوضع المواطنين في إطار قسري للامتثال لمعيار قد يعتبره البعض تعسفيًا؟ كيف يمكن لموظف عمومي، مهما كانت مسؤولياته، أن يتجاوز دوره القانوني ليصبح كاتبًا لصكوك الوطنية؟
التشكيك في العقوبات: من أين جاءت عقوبة “التشهير”؟
أثار الحليمي الجدل عندما هدّد بعقوبة “التشهير” للمواطنين الذين يرفضون التعاون مع الباحثين الإحصائيين. هذا التهديد أثار تساؤلات حول الأسس القانونية لهذه العقوبة. بعد مراجعة القوانين المنظمة للإحصاء، يتبين أن العقوبات المنصوص عليها لا تتجاوز غرامة مالية لا تتعدى 120 درهمًا. من أين أتى السيد الحليمي بعقوبة التشهير التي تهدد بها؟ هل يعكس هذا تصاعدًا في استخدام السلطات لوسائل الضغط التي تتجاوز ما هو قانوني؟
التمويل والشفافية: أين تذهب الميزانيات؟
تطرح تصريحات الحليمي أيضًا تساؤلات حول تمويل عملية الإحصاء وكيفية إدارة ميزانيتها. كيف يمكن للمواطنين أن يطمئنوا إلى أن أموالهم تُستخدم بطرق شفافة وفعالة، بدلاً من الإصرار على تعطيل وظائف موظفين آخرين، في حين يمكن استبدالهم بطلبة أو عاطلين عن العمل؟ هل تعتبر هذه المشاريع مجرد وسيلة لتوظيف الأموال أم أنها تعكس فعلاً رغبة في تحسين الأداء الإداري؟
الوعي الوطني والمشاركة الطوعية: أفق المستقبل
من المهم أن ندرك أن مغاربة اليوم يطمحون إلى دولة قانون وحقوق، وأن أساليب التهديد والتشهير لا تلبي تطلعاتهم. لا يمكن للمواطنين أن يقبلوا بأن يُمارس عليهم ضغط قسري للدخول في عملية إحصائية، بل يفضلون المشاركة بقناعة وبإرادة حرة. هل يمكن أن تؤدي الأساليب المعتمدة إلى نتائج عكسية، حيث يدفع المواطنون نحو رفض المشاركة بدلاً من التعاون؟
الإصلاح والتجديد في المواقع الحكومية: ضرورة ملحة
يبدو أن التصريحات الأخيرة تعكس فجوة متزايدة بين الإرادة الشعبية والممارسات الرسمية. من الضروري أن يفهم المسؤولون، مثل الحليمي، أن الاستمرار في مواقع السلطة لفترات طويلة قد يؤثر على قدرتهم على التفاعل مع التغيرات المجتمعية. هل يحتاج المغرب إلى إعادة النظر في كيفية اختيار وتعيين المسؤولين لضمان أنهم يعكسون تطلعات المواطنين وتطلعاتهم؟
خلاصة
الإحصاء الوطني يجب أن يكون فرصة لتعزيز الشفافية والإدارة الجيدة، وليس أداة لتوزيع صكوك الوطنية أو فرض عقوبات غير قانونية. ندعو جميع الأطراف المعنية إلى مراجعة هذه التصريحات وتقديم توضيحات شافية تضمن احترام حقوق المواطنين وتلبية تطلعاتهم نحو نظام أكثر عدلاً وشفافية.