المهداوي في مرمى القضاء مجددًا: هل تحوّلت الشكايات إلى سلاح ضد النقد الصحفي؟

0
46

بين حكم ابتدائي قاسٍ وتأجيل جديد… قضية المهداوي تكشف توتر العلاقة بين السلطة والصحافة

في وقت يزداد فيه النقاش حول حرية التعبير في المغرب، عاد اسم الصحافي حميد المهداوي إلى الواجهة من جديد، بعد أن قررت المحكمة الابتدائية بالرباط تأجيل جلسة محاكمته إلى 6 ماي المقبل، في ملفين جديدين يُتابع فيهما على خلفية شكايتين مقدّمتين من وزير العدل عبد اللطيف وهبي.

الملف لم يعد يخص صحافيًا فقط، بل صار اختبارًا سياسيًا لمدى قدرة القضاء المغربي على ضمان التوازن بين حق المسؤول العمومي في صيانة سمعته، وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة والصحافي في توجيه النقد المشروع.

من “بديل” إلى بدائل قضائية: من يحاكم من؟

الصحافي والمدير السابق لموقع “بديل”، المعروف بمواقفه المعارضة، يواجه اليوم شكايتين جنائيتين جديدتين، بعد أن سبق الحكم عليه بسنة ونصف سجنًا نافذًا وغرامة مالية باهظة بلغت 150 مليون سنتيم، في القضية الأولى التي رفعها ضده الوزير نفسه.

لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه كثيرون:
هل نعيش حالة “تراكم قضائي انتقائي” ضد المهداوي؟
وما مدى قانونية تعدد المتابعات من نفس الجهة المشتكية وفي نفس السياق النقدي؟

قراءة قانونية: ما حدود “القذف” في قانون الصحافة المغربي؟

تشير وثائق القضية إلى أن الشكاية الثالثة تتهم المهداوي بارتكاب أفعال تتعلق بـ**”القذف والتدخل في الحياة الخاصة والتشهير باختلاق وقائع”**، بناءً على الفصول 72 و83 و84 و89 من قانون الصحافة والنشر 88.13.

لكن هنا يبرز سؤال محوري:

هل ينطبق مفهوم القذف حين يتعلّق الأمر بمسؤول عمومي ينتقده صحافي بصفته السياسية؟ وهل يمكن اعتبار تداول معلومات أو آراء حول أداء وزير العدل “تشهيرًا” أم يدخل في إطار النقد المباح دستورياً؟

المادة 72 من قانون الصحافة تُقرّ صراحة بحق الصحافي في إبداء الرأي، طالما لم يكن هناك تحريض أو كراهية أو نشر لمعلومات خاطئة عمدًا. فهل أثبتت النيابة العامة أن المهداوي تعمّد الإضرار بالشخص المعني؟ وهل تم التحقق من صحة الادعاءات موضوع المتابعة قبل تحريك الدعوى؟

بين العدالة و”الردع”: من يخسر أكثر؟

بغضّ النظر عن المآل القضائي، فإن تكرار الشكايات ضد صحافيين، خاصة في سياقات نقد سياسي، يبعث برسائل مربكة للشارع وللصحافة على حد سواء.

فهل الغاية من الشكايات إنصاف الشخص أم تأديب الصحافي؟
وهل يمكن في بلد يتحدث عن “نموذج تنموي جديد” و”دستور الحريات” أن يُحكم على صحافي بغرامة تماثل الميزانية السنوية لموقع إلكتروني صغير؟

الرأي العام كطرف ثالث في المعادلة

الملف أخذ بعدًا جماهيريًا منذ صدور الحكم الابتدائي الأول، إذ عبّرت عدة أصوات صحفية وحقوقية عن تخوفها من “الزج بالقانون الجنائي في قضايا التعبير”، داعية إلى اعتماد مقاربة تربوية – قانونية تحترم كرامة الجميع دون تقييد النقد أو تكميم الأفواه.

فهل يكون تأجيل جلسة ماي المقبل فرصة للتهدئة وإعادة النظر في منطق المتابعات؟
أم مجرد محطة جديدة في مسلسل قضائي طويل قد تكون تكلفته على الثقة العامة بالعدالة وحرية الصحافة أكبر من أي ضرر مفترض على مسؤول عمومي؟

نهاية مفتوحة… وأسئلة معلّقة

مع اقتراب موعد الجلسة القادمة، تتكدّس الأسئلة أكثر من الأجوبة:

  • هل ستعتمد المحكمة على التأويل الموسّع لمفهوم التشهير؟

  • وهل ستأخذ بعين الاعتبار صفة المشتكي كوزير عدل يُفترض فيه تحمل النقد؟

  • ومتى تفتح الدولة حوارًا صريحًا حول الصحافة والسلطة بدل اللجوء المتكرر للقضاء؟

يبقى المهداوي اليوم رمزًا لصراع أكبر من شخصه: صراع حول حدود الحرية، ومفهوم المسؤولية، ومعنى الكرامة المهنية في مغرب 2025.