المهدوي وادعاءات “الاستهداف الإسرائيلي”.. حقيقة أم تهرب من مساءلة المجلس الوطني؟

0
217

في مشهد إعلامي يزداد تعقيدًا، أثار تسجيل مصور للناشط الإعلامي حميد المهدوي على منصة اليوتيوب يوم 19 مارس 2025، موجة من الجدل والاستنكار. حيث اتهم المهدوي لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للمجلس الوطني للصحافة بتنفيذ “مخطط إسرائيلي” ضده، وطلب في نفس التسجيل “الحماية الملكية”. هذه الاتهامات، التي جاءت دون أدلة ملموسة، دفعت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر إلى إصدار بلاغ صحافي تستنكر فيه هذه الادعاءات وتصفها بـ”المغرضة” و”الخطيرة”.

هذه الحادثة ليست مجرد صراع فردي بين ناشط إعلامي وهيئة تنظيمية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق في قطاع الإعلام المغربي، حيث تتصارع حرية التعبير مع أخلاقيات المهنة، وتتصاعد الاتهامات في ظل غياب الشفافية. فما هي أبعاد هذه القضية؟ وكيف يمكن فهم رد فعل المجلس الوطني للصحافة؟ وهل يمكن اعتبار اتهامات المهدوي مجرد محاولة للتضليل أم أنها تعكس أزمة ثقة حقيقية؟

اتهامات المهدوي: بين التضليل والبحث عن الضجة

في تسجيله، ادعى حميد المهدوي أن “إسرائيل تستهدفه في المغرب”، وأن هناك “توقيعًا من يد واحدة” وراء المشاكل التي يواجهها، بما في ذلك الشكايات والمحاكمات والمجالس التأديبية. كما أشار إلى أن “هناك جهة دخلت على الخط”، دون أن يقدم أي دليل ملموس يدعم هذه الادعاءات. بل ذهب إلى حد طلب “الحماية الملكية”، وهو ما اعتبرته اللجنة المؤقتة تدخلاً غير مقبول في المؤسسات الوطنية.

هذه الاتهامات تطرح تساؤلات حول دوافعها الحقيقية. هل هي محاولة لخلق ضجة إعلامية تزيد من متابعيه على اليوتيوب، أم أنها تعكس قلقًا حقيقيًا من تدخلات خارجية؟ في ظل غياب الأدلة، يبدو أن هذه الادعاءات تهدف إلى استغلال المشاعر الوطنية وحساسية القضايا المتعلقة بالأمن القومي لتحقيق مكاسب شخصية.

رد المجلس الوطني للصحافة: بين الحزم والدفاع عن المصداقية

في بلاغها الصحافي، استنكرت اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر اتهامات المهدوي بشدة، واعتبرتها “مغرضة” و”تطعن في صورة الوطن وحصانة مؤسساته”. وأكدت اللجنة أن هذه الادعاءات “تشكل مادة سائغة لكل أعداء الوطن”، وأنها تهدف إلى “مضاعفة عدد المتابعات قصد تحصيل مداخيل أكثر من اليوتيوب”.

كما أشارت اللجنة إلى أنها تحتفظ بحقها في اللجوء إلى القوانين المعمول بها لمطالبة المهدوي بتقديم “القرائن” التي يدعي امتلاكها حول “المخطط الإسرائيلي”. هذا الرد الحازم يعكس حرص المجلس على حماية مصداقيته ومصداقية المؤسسات الوطنية، ولكنه يطرح أيضًا تساؤلاً حول كيفية تعامل المجلس مع مثل هذه الاتهامات في المستقبل. هل سيتم اعتماد سياسة أكثر شفافية لتجنب مثل هذه الأزمات؟

أزمة الثقة في الإعلام: بين حرية التعبير وأخلاقيات المهنة

هذه الحادثة تأتي في سياق أوسع من أزمة الثقة التي يعاني منها قطاع الإعلام في المغرب. فمع انتشار المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت عملية التحقق من المعلومات أكثر تعقيدًا، وزادت التحديات التي تواجه الصحافة التقليدية. في هذا السياق، يبرز دور المجلس الوطني للصحافة كحارس لأخلاقيات المهنة، ولكن أيضًا كهدف للانتقادات والاتهامات.

فمن ناحية، هناك من يرى أن المجلس يفرض قيودًا على حرية التعبير تحت ذريعة حماية أخلاقيات المهنة. ومن ناحية أخرى، هناك من يعتبر أن المجلس لا يزال غير قادر على مواكبة التحديات الجديدة التي يفرضها العصر الرقمي. فهل يمكن للمجلس أن يعزز دوره كمرجعية أخلاقية في ظل هذه التحديات؟ وهل يمكن أن تكون هذه الحادثة فرصة لإعادة النظر في آليات عمل المجلس وتعزيز شفافيته؟

الأرقام تكشف: المجلس يعمل ولكن هل يكفي؟

وفقًا للبلاغ الصحافي، فقد تم التوصل بــ 212 شكاية تتعلق بأخلاقيات المهنة حتى 20 مارس 2025، تم البت في 197 منها، بينما لا تزال 15 شكاية قيد المعالجة. هذه الأرقام تعكس الجهد الكبير الذي يبذله المجلس في معالجة القضايا التأديبية، ولكنها تطرح أيضًا تساؤلاً حول مدى شفافية هذه العمليات. هل يتم التعامل مع جميع الشكايات بنفس الدرجة من العدالة والموضوعية؟ وكيف يمكن للمجلس أن يعزز ثقة الصحفيين والجمهور في قراراته؟

الخاتمة: نحو صحافة أكثر مسؤولية وشفافية

حادثة الاتهامات التي وجهها حميد المهدوي للمجلس الوطني للصحافة تذكرنا بأهمية الحفاظ على أخلاقيات المهنة في عصر تنتشر فيه الشائعات بسرعة البرق. ففي الوقت الذي يعمل فيه المجلس على معالجة الشكايات التأديبية، يجب أيضًا أن يعمل على تعزيز ثقة الصحفيين والجمهور في قراراته.

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن للمجلس الوطني للصحافة أن يكون أداة فعّالة في تعزيز الصحافة المسؤولة، أم أنه سيظل هدفًا للاتهامات والانتقادات؟ الإجابة تكمن في كيفية تعامل المجلس مع هذه التحديات، وفي مدى قدرته على تعزيز شفافيته وعدالته في معالجة القضايا التأديبية. أما اتهامات المهدوي، فتبقى مجرد ضجيج في ظل غياب الأدلة، ولكنها تفتح الباب أمام حوار أعمق حول مستقبل الإعلام في المغرب.