في كلمتها أمام البرلمان، أطلقت النائبة فاطمة التنامي تصريحًا أصبح شعارًا متداولًا في الشارع المغربي: “التقارير هاهي والمحاسبة فينا هي”.
هذه الجملة تختصر أزمة الحوكمة المالية في المغرب، حيث تتوالى التقارير التي تكشف عن اختلالات خطيرة في تدبير المال العام، بينما تظل المحاسبة مجرد وعود لا تجد طريقها إلى التنفيذ. فكيف يمكن تفسير هذا الواقع؟ وهل بات الإفلات من العقاب هو القاعدة؟
تقارير صادمة دون أثر فعلي
أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أوجه قصور متعددة في الحكامة المالية، شملت ضعف الشفافية في الصفقات العمومية، غياب تقييم حقيقي لمردودية المشاريع الكبرى، واستمرار الاقتصاد غير المهيكل والتهرب الضريبي كعقبات رئيسية أمام تعزيز المالية العمومية. ومع ذلك، فإن نسبة تنفيذ توصيات المجلس لا تتجاوز 20%، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول فعالية هذه التقارير إذا لم تؤدِّ إلى إجراءات ملموسة. هل يعقل أن تبقى أغلب هذه التوصيات حبرًا على ورق؟
المديونية المتفاقمة وخدمات متدهورة
يتحدث التقرير عن عجز الميزانية وتفاقم المديونية، لكن المواطن المغربي لا يرى انعكاس هذه القروض على تحسين الخدمات الأساسية، سواء في التعليم، الصحة، أو البنية التحتية. فإلى أين تذهب هذه الأموال؟ ولماذا تظل المؤسسات التي تديرها غير خاضعة لرقابة صارمة تضمن توجيهها إلى المشاريع التنموية الحقيقية؟
الصفقات العمومية: بين غياب الشفافية واستمرار النزيف
يبقى نظام الصفقات العمومية من أكبر مواطن الخلل التي تحتاج إلى إصلاح جذري، فغياب الشفافية يجعل الباب مفتوحًا أمام تضارب المصالح، التلاعب في الأسعار، وإسناد المشاريع إلى مقاولات دون معايير واضحة. إذا كانت الاختلالات قائمة والمال العام يُهدر، فأين المسؤولون؟ ولماذا لم نسمع عن محاسبة حقيقية لأي طرف متورط؟
إفلات من العقاب وإصلاح معلق
أكدت النائبة التنامي في كلمتها أن الجرائم المالية غالبًا ما تظل في إطار التأديب المالي دون المرور إلى العقوبات الحقيقية واسترجاع الأموال المنهوبة. هذا الوضع يفرض إعادة النظر في القوانين الجنائية المتعلقة بالفساد المالي، وضمان عدم اقتصار المتابعات على المسؤولين الصغار، بل تشمل كافة المتورطين بغض النظر عن مواقعهم ونفوذهم. فهل نحن بحاجة إلى استراتيجية وطنية أكثر صرامة لمكافحة الفساد؟
خاتمة: إلى متى؟
صرخة البرلمان يجب ألا تبقى مجرد شعارات للاستهلاك السياسي، بل يجب أن تتحول إلى إجراءات ملموسة تنهي ظاهرة الإفلات من العقاب وتعزز ربط المسؤولية بالمحاسبة. فإلى متى ستبقى هذه التقارير مجرد أوراق تُركن في الأدراج؟ ومتى سنرى محاسبة حقيقية تعيد الثقة إلى المؤسسات؟