كشف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، الجمعة بتطوان، إن 2 في المائة فقط من المعتقلين الاحتياطيين يحكمون بالبراءة، و حوالي 90 في المائة تمت إدانتهم بعقوبات سالبة للحرية.
وأضاف عبد النباوي، في كلمة تلاها نيابة عنه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف مصطفى لغزال بمناسبة انعقاد يوم دراسي حول الاعتقال الاحتياطي بالمغرب، أن هذا الاعتقال هو تدبير استثنائي، تتحقق معه مصلحة المجتمع في حمايته من مخاطر الجرائم، لكنه يتماس مع “قرينة البراءة” التي أقرتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كما كرستها دساتير الدول الديمقراطية، ومن بينها دستور المغرب،
وأبرز عبد النباوي أن المشرع المغربي حرص على تنظيم هذا الاعتقال بما يضمن التوفيق بين الحق في الحرية وضرورات حسن سير العدالة وحماية المجتمع من الجريمة”.
وذكر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بأن قرارات الاعتقال الاحتياطي تتأثر أحيانا بالضغط الاجتماعي، فضلا عن عدم وجود بدائل كافية للاعتقال الاحتياطي تتيح تدبير قضايا المعتقلين بما يحقق التوازن بين حماية حرية المشتبه فيهم والمتهمين وحماية الأمن العام.
تكشف تقارير رسمية صادمة أن نحو 39% من المعتقلين في السجون المغربية موقوفون “احتياطياً”، الأمر الذي دفع حقوقيين إلى دقّ ناقوس الخطر بشأن شروط ومساطر اتخاذ هذا التدبير.
تشير تقارير حقوقية، أن السلطات القضائية تلتجئ في الكثير من الحالات إلى الاعتقال الاحتياطي بنوع من “الإفراط”، لاسيما ضد الحقوقيين والصحافيين. وعلى الرغم من تراجع عدد المعتقلين احتياطيا في السنوات الأخيرة، إلا أن نسبتهم لا تزال تقارب 39 بالمئة من نزلاء السجون، وكان عددهم 38837 في نهاية 2020، حسب أحدث تقرير لرئاسة النيابة العامة.
وكشف التقرير الذي صدر العام الماضي، أن نسبة المعتقلين احتياطيا من العدد الإجالي للمسجونين “تمثل حوالي 45.70 في المائة، من أصل 84.990 معتقلا، منهم 97.52 في المائة ذكور، و2.48 في المائة إناث”.
ورصد أن عدد المعتقلين في البلاد “يزداد منذ سنة 2016 إلى غاية 2019، لينخفض بشكل طفيف سنة 2020، إذ كان سنة 2016 في حدود 78 ألفا، ثم ارتفع إلى 83 ألفا سنتي 2017 و2018، ثم إلى 86 ألفا سنة 2019، لينخفض العدد إلى 84 ألفا سنة 2020”.
وأفادت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج في المغرب بأن “عدد السجناء ارتفع بنسبة 7.97 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2020، وبحوالي 1.55 في المائة سنوياً خلال الفترة سالفة الذكر”.
وعزت المندوبية المغربية انخفاض عدد المعتقلين ما بين عامي 2019 و2020 إلى “استفادة عدد كبير منهم من الإفراج بموجب عفو ملكي سنة 2020، إضافة إلى تعليق أنشطة المحاكم خلال فترة الحجر الصحي واقتصارها على القضاء الاستعجالي موازاة مع الانخفاض النسبي في معدلات الجريمة خلال الفترة ذاتها، وهو ما أفرز أيضا انخفاضا ملحوظا في عدد المعتقلين الوافدين من حالة سراح على المؤسسات السجنية ما بين السنتين”.
وأشير إلى أن خريطة السجون في المغرب تضم “78 مؤسسة سجنية، منها 66 سجنا محليا، وسبعة سجون فلاحية، إضافة إلى سجنين مركزيين، وثلاثة مراكز للإصلاح والتهذيب، وهي موزعة على مجموع التراب الوطني”.
وذكر أن البنية التحتية جرى تأهيلها العام الماضي وتعزيز تجهيزاتها حيث “تم افتتاح ثلاثة سجون محلية بكل من بركان والعرائش ووجدة بطاقة استيعابية إجمالية تقدر بـ4400 سرير، فيما تم إغلاق ثلاثة سجون قديمة في كل من بركان ووجدة والقصر الكبير”.
في حين تُقدّم وزارة العدل وعوداً بإدخال تعديلات على قانون “المسطرة الجنائية” بما يضمن تعويض هذا الإجراء (الاعتقال الاحتياطي) بإجراءات مُماثلة من حيث الهدف، لكنها مغايرة من حيث الشكل، كالقيد الإلكتروني وغيره.
وينص البند الثاني من المادة 14، من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسيّاسية الذي صادق عليه المغرب سنة 1979، على أن “من حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يُعتبر بريئا إلى أن يُثبت عليه الجرم قانونا”.
ويؤكد الدستور المغربي الصادر سنة 2011، باعتباره أسمى وثيقة قانونية بالبلاد، من خلال الفقرة الرابعة من الفصل الـ23، على أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان.
وتشدّد المادة الأولى من المسطرة الجنائية، على أن “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة يُعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناءً على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية”.
ومن أبرز الضمانات القانونية للمتهم أو المشتبه فيه، هي عدم تقييد حريته، إلا في حالة ما إذا كان تركه حرا يُشكل خطرا على المجتمع أو يُمكّنه من تغيير معالم الفعل الذي يُتابع على خلفيته.
وتصف جمعيات حقوقية الوضع في السجون المغربية بـ “المكتظّ”، مشددة على أن ذلك راجع أساساً إلى “ارتفاع نسبة المعتقلين احتياطياً”.
ويُقصد بالاعتقال الاحتياطي في القانون المغربي أولئك الأشخاص المُودعون في السجون دون أن يصدر في حقهم حكم قضائي بعد؛ وذلك إما لاستكمال مرحلة التحقيق أو في انتظار استكمال محاكمتهم.
وترمي النيابة العامة بكُرة ارتفاع نسب المعتقلين احتياطياً إلى ملعب قُضاة الأحكام، مشددة على أنها “تحرص على عدم تفعيل الاعتقال الاحتياطي إلا في بعض الملفات التي تتخذ نوعاً من الخطورة”.
وتلفت النيابة العامة إلى أن “الاعتقال الاحتياطي يجري وفقاً لمعايير دقيقية، وبالضبط حينما يتبيّن أن تدابير المراقبة القضائية غير كافية، أو إن كان مثول المتابع أمام القضاء وهو في حالة سراح من شأنه التأثير على حسن سير العدالة”.
وبحسب الميزانية المخصصة للسجون في المغرب، والتي صدّق عليها البرلمان المغربي نهاية السنة المنصرمة، فإن الحكومة المغربية تصرف نحو 446 مليون درهم مغربي (44.6 مليون دولار) كنفقات مباشرة على حاجيات السجناء الخاصة سنوياً.
وتتوزّع هذه المصاريف على التغذية والطاقة من أجل التدفئة والطبخ، بالإضافة إلى مواد النظافة، والأدوية، والمواد الصيدلية الخاصة بالسجناء.
وتصرف الدولة على التغذية ما مجموعه 370 مليون درهم، أي ما يعادل 37 مليون دولار، في حين تكلف الطاقة نحو 16 مليون درهم، أي ما يناهز 1.6 مليون دولار. أما مواد النظافة فتكلّف 10 ملايين درهم سنوياً، أي نحو مليون دولار.
وفيما يتعلّق بالمواد الصيدلية والأدوية فإنها تكلف الدولة نحو 26 مليون درهم، أي 2.6 مليون دولار.